للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واجعلِ الصمتَ إن عَييتَ جوابًا ... رُبَّ قولٍ جوابُهُ في السكوت (١)

وقال الأعور الشَّنِّي:

لسانُ الفتى نِصفٌ، ونصفٌ فؤاده ... فهل بَعْدُ إلا صُورةُ اللحمِ والدَّمِ

وكأيّن ترى من ساكت لك مُعجب ... زيادتُهُ أو نقصه في التكلمِ (٢)

حُكي عن أبي يوسف الفقيه أن رجلاً كان يجلس إليه، فيطيل الصمت، فقال له أبو يوسف: " ألا تسأل؟ "، قال: " بلى، متى يفطر الصائم؟ "، قال: " إذا غربت الشمس "، قال: " فإن لم تغرب إلى نصف الليل؟! "، فتبسم أبو يوسف -رحمه الله-، وتمثل ببيتين من الشعر:

عجبتُ لإزراء العيي بنفسه ... وصمت الذي قد كان بالقول أعلما

وفي الصمت ستر للعيِّ وإنما ... صحيفةُ لُبِّ المرء أن يتكلما (٣)

فلسان العَييِّ عورة بين الفكين، تحتاج إلى ستر كالسوأتين، لأنه يتكلم، وأذنك تتظلم، وقلبك منه يتألم.

[الموازنة بين الصمت والكلام]

فليكن الأصل هو الصمت، إذ يكفي في فضل الصمت كونه أقوى وسيلة وقائية من الغيبة وأخواتها من آفات اللسان، والسلامة لا يعدلها شيء إلا مَن تيقن مِن حصول الغنيمة بالكلام.

رُويَ عن أم حبيبة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " كلُّ كلامِ ابنِ آدمَ عليه، لا له، إِلا أمرٌ بمعروف، أو نهيٌ عن منكر، أو ذكرٌ لله " (٤).


(١) " الصمت " ص (٣٠٠).
(٢) " السابق " ص (٧٢).
(٣) " أدب الدنيا والدين " ص (٢٦٦).
(٤) رواه الترمذي رقم (٢١٤٢)، وقال: " هذا حديث حسن غريب "، وابن ماجه (٣٩٧٤)، وضعفه الألباني.

<<  <   >  >>