للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولكننا نعلم أن النتاج إنما هو تمثيل لمن ينتجه، إنه رمز بليغ ومؤقت، فالصاروخ الذي ينطلق باتجاه كوكب بعيد، ليس سوى رمز للحضارة التي ابتدعته؛ وبالأحرى عندما يتعلق الأمر بالنتاجات الثانوية، يمكن لهذه الأخيرة أن تكون العديد من الأشياء التي تلفت انتباه السائح المتلهف لكل ما هو غريب.

قس- على ذلك- المستوى الذي يهمنا هنا. هناك ثقافة، وهناك نتاجات هذه الثقافة، وهناك حتى نتاجاتها الثانوية.

إن هذه الأفكار تخطر في بالنا غداة رحلة الرئيس بومدين إلى قسطنطة، وعلى الأخص حين أعلن عن تكوين لجنة تهتم بوضع برنامج تثقيفي، ونحن نعتقد أن الأمر سيتعلق- خاصة وقبل كل شيء- بمسألة الثقافة القادرة على خلق الإنسان الجديد في الجزائر وتصعيده.

ولنضف إلى ذلك أن هذه المسألة تطرح حتى على الوجه السياسي، كما تطرح في هذه اللحظة في الصين في شكل ثورة ثقافية.

ونحن نكون بسطاء جدا لو ظننا يوما ما أن الاستعمار عندما يعد حقائبه ويرحل عن بلد يستعمره، يترك المكان وراءه وبكل بساطة نقيا سليما.

ونكون كذلك أشد بساطة إذا ظننا أن الاستعمار يخلي وراءه فقط وفي بعض الأحيان الفيتنام هنا والكونغو هناك والبيافرا بعيدا، إنه لا يترك دائما كل هذا وراءه بالتأكيد، وهذا أمر معروف من الجميع، ولكنه على الدوام ودون أي استثناء، يترك وراءه الطابور الخامس، طابور خدامه القدامى، أو كما قال الرئيس بومدين، طابور بقايا الحركيين.

وهنا تبدأ وتستعاد مأساة البلاد التي غادرها الاستعمار ظاهريا. ذلك أن بقايا العهد الاستعماري لا تبقى مجرد (كومة) يمحوها مرور الوقت ويفتتها شيئا فشيئا.

<<  <   >  >>