للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسرعة مشيه ليتمكن من الطواف على الشيوخ في وقت قليل، أما سرعة كتابته وقراءته فلاختصار الوقت وحفظه لأعمال أخرى، وللازدياد من العلم فيه أيضا. وهذه الأوصاف لا شك أنها تساعد على زيادة التزود من العلم والشيوخ، بأقل مدة من الزمن والعمر.

وكنت زدت عليها وصفا رابعا، وهو: أن يكون سريع الأكل، لأنه إذا لم يكن كذلك، وكان بطيء الطعام طويل الغرام به! فاته الوقت الذي جمعه بسرعة القراءة والكتابة والمشي، بطول وقت دخول الطعام وخروجه! ولم يحسن التصرف في وقته، ولا عرف كيف يستفيد من امتثال النصيحة على وجهها (١).


(١) قال الإمام القاضي عياض رحمه الله تعالى، في كتابه ((الشفا بتعريف حقوق المصطفى)) صلى الله عليه وسلم ١٠٩:١، في الفصل السابع من الباب الثاني: ((لم تزل العرب والحكماء تتمادح - أي تتفاخر - بقلة الغذاء والنوم، وتذم بكثرتهما، لأن كثرة الأكل والشرب دليل على النهم والحرص والشره، وجالبة لأدواء الجسد وخثارة النفس - أي ثقلها وعدم نشاطها - وامتلاء الدماغ. وقلتهما دليل على القناعة وملك النفس، ومسببه للصحة وصفاء الخاطر وحدة الذهن. كما أن كثرة النوم دليل على الضعف والفسولة - أي عدم الهمة في أمور الدنيا والآخرة - ومسببه للكسل وقساوة القلب وغفلته وموته، وتضييع العمر في غير نفع. وكثرة النوم من كثرة الأكل والشرب، وفي حكمة لقمان: يا بني، إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة، وقال سفيان الثوري: بقلة الطعام يملك سهر الليل. وقال سحنون: لا يصلح العلم لمن يأكل حتى يشبع)). انتهى. قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إياكم والبطنة، فإنها مكسلة عن الصلاة، مفسدة للجسم، مؤدية إلى السقم، وعليكم بالقصد في قوتكم. فهو أبعد من السرف، وأصح للبدن، وأقوى على العبادة، وإن العبد لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه.

<<  <   >  >>