للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في الماضي أيام الشباب، ولكن الواقع المشاهد على العكس من هذا أيها الأخ العزيز، فأخبرك خبر من بلغ ذلك وعرفه:

كلما كبرت سنك، كبرت مسئولياتك، وزادت علاقاتك، وضاقت أوقاتك، ونقصت طاقاتك، فالوقت في الكبر أضيق، والجسم فيه أضعف، والصحة فيه أقل، والنشاط فيه أدنى، والواجبات والشواغل فيه أكثر وأشد! فبادر ساعات العمر وهي سانحة، ولا تتعلق بالغائب المجهول، فكل ظرف مملوء بشواغله وأعماله ومفاجآته (١).

ولبعضهم يشير إلى قلة أيام السرور، وكثرة أيام المكروه:

يقولون إن الدهر يومان كله ... فيوم مسرات ويوم مكاره

وما صدقوا والدهر يوم مسرة ... وأيام مكروه كثير البدائه

[الشباب مظنة الجد واللذاذات والشيخوخة مظنة الضعف والمنغصات]

فالعمل والجد، والقوة والمجد، ونيل الغايات، وصفاء اللذاذات، إنما هو في سن الشباب، لا في سن الشيخوخة، فإنها مسرح الأمراض والأعراض، والمكدرات والمنغصات، وقد صدق القائل:

إن الشباب الذي مجد عواقبه ... فيه نلذ ولا لذات للشيب


(١) وقد أوصى الشريف المحدث الرحال أبو محمد جعفر بن محمد العباسي، البغدادي ولادة، الحموي وفاة سنة ٥٩٨ رحمه الله تعالى، أن يكتب على قبره: (حوائج لم تقض! وآمال لم تنل! وأنفس ماتت بحسراتها!). انتهى من ترجمته في ((المستفاد من ذيل تاريخ بغداد لابن النجار)) انتقاء الحافظ الدمياطي، ص ٩٦. وهذا المعنى هو الذي عناه القائل: ولم يتفق حتى مضى لسبيله وكم حسرات في بطون المقابر!

<<  <   >  >>