للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فوقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، ومادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة المعيشة الضنك في العذاب الأليم. وهو يمر أسرع من السحاب، فما كان من وقته لله وبالله، فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوبا من حياته وإن عاش فيه طويلا، فهو يعيش عيش البهائم، فإذا قطع وقته في الغفلة والشهوة والأماني الباطلة، وكان خير ما قطعه بالنوم والبطالة: فموت هذا خير له من حياته، وإذا كان العبد وهو في الصلاة: ليس له من الصلاة إلا ما عقل منها، فليس له من عمره إلا ما كان فيه بالله ولله تعالى)).

[حرص السلف على كسب الوقت وملئه بالخير]

وقد كان السلف الصالح ومن سار على نهجهم من الخلف أحرص الناس على كسب الوقت وملئه بالخير، سواء في ذلك عالمهم وعابدهم، فقد كانوا يسابقون الساعات، ويبادرون اللحظات، ضنا منهم بالوقت، وحرصا على أن لا يذهب منهم هدرا.

[أمسك الشمس حتى أكلمك]

نقل عن عامر بن عبد قيس أحد التابعين الزهاد: أن رجلا قال له: كلمني، فقال له: عامر بن عبد قيس: أمسك الشمس. يعني أوقف لي الشمس واحبسها عن المسير حتى أكلمك، فإن الزمن متحرك دائب المضي، لا يعود بعد مروره، فخسارته خسارة لا يمكن تعويضها واستدراكها، لأن لكل وقت ما يملؤه من العمل (١).


(١) ويكفي تقويما للوقت والزمن أن الفقهاء قد قرروا أن الأجل في البيع يقابل بشيء من الثمن، وفي هذا تثمين للوقت وتقدير للزمن أيما تقدير، فقد قوموا الزمن بالمال.

<<  <   >  >>