للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: ٦] فسمعت للرجل صياحا شديدا واضطرابا فوقفت حتى انقطع صوته ومشيت.

فلما أصبحت أتيت إلى دار الرجل فوجدته قد مات والناس في تجهيزه، وعجوز تبكي، فسألت عنها فقيل: هي أمه، فقمت إليها وسألتها عن حاله، فقالت: كان يصوم النهار ويقوم الليل ويكتسب الحلال فيقسم كسبه ثلاثا: ثلثًا لنفقته، وثلثًا لنفقتي، وثلثًا يتصدق به، فقلما كان البارحة مر إنسان، وهو يقرأ فسمع آية من القرآن ففارق الدنيا (١).

[خوف شديد]

قرأ عمر بن عبد العزيز بالناس ذات ليلة: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: ١] فلما بلغ {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (١٤)} [الليل:١ - ١٤] خنقته العبرة فلم يستطع أن ينفدها فتركها، وقرأ سورة غيرها.

وقرأ ذات ليلة: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} [الفرقان: ١٣] فبكى عمر حتى غلبه البكاء، وعلا نشيجه، فقام من مجلسه، فدخل بيته وتفرق الناس.

وقرأ ذات ليلة قوله: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} [يونس: ٦١] فبكى بكاء شديدا حتى سمعه أهل الدار، فجاءت فاطمة، فجلست تبكي لبكائه، وبكى أهل الدار لبكائهما، فجاء ابنه عبد الملك وهو على هذا الحال، فقال: يا أبت ما يبكيك؟

قال: خير يا بني، ود أبوك أنه لم يعرف الدنيا ولم تعرفه، والله يا بني، لقد خشيت أن أهلك، والله يا بني، لقد خشيت أن أكون من أهل النار.

[أعظم آية]

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: وكلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحفظ زكاة رمضان، فآتاني آت فجعل يحثو من الطعام، فآخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله، قال: إني محتاج، وعلي عيال، وبي حاجة شديدة، فخليت عنه، فأصبحت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ " فقلت: يا رسول الله شكا حاجة وعيالا فرحمته فخليت سبيله، فقال: "أما إنه قد كذبك وسيعود"، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرصدته، فجاء يحثو


(١) خير القرون (٢/ ٢٤٢ - ٢٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>