للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: والله لقد رأيت أصحاب محمد وما أرى اليوم شيئا يشبههم، كانوا يصبحون شعثا غبرا صفرا قد باتوا لله سجدا وقياما يتلون كتاب الله يراوحون بين أقدامهم وجباههم، وكانوا إذا ذكروا الله مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم، وكان القوم باتوا غافلين -يعني من كان حوله-.

[ويحك يا نفس]

يحكي محمد بن المنكدر عن عقاب تميم لنفسه إذا نام عن صلاة الليل مرة فيقول: نام تميم الداري ليلة لم يقم فيها يتهجد حتى أذن الصبح فقام سنة كاملة لم ينم فيها عقوبة للذي صنع.

وقال أبو زيد: ما زلت أسوق نفسي إلى الله وهي تبكي حتى سقتها وهي تضحك.

وقال إبراهيم التميمي: مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمراتها، وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثم مثلتها في النار آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها .. ثم قلت لنفسي: يا نفس أي شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أرد إلى الدنيا، فأعمل صالحا، قال: فأنت في الدنيا فاعملي. وهذه طريقة اتخذها الرجل في إيقاظ نفسه، وإن شئت فقل: في إحياء ضميره، لقد تخيل المتوقع واقعا والغائب حاضرا، ثم قال لنفسه بعد أن عرض عليها بصورتين: تخيري واعلمي (١).

[التوبة]

قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: ٣١].

والتوبة نظر في الفعل بعد الفراغ منه بالندم عليه، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: "إني لأستغفر الله تعالى وأتوب إليه في اليوم مائة مرة" [رواه مسلم].

وقال عون بن عبد الله: قلب التائب بمنزلة الزجاجة يؤثر فيها جميع ما أصابها، فالموعظة إلى قلوبهم سريعة، وهم إلى الرقة أقرب، فداووا القلوب بالتوبة، فلرب تائب دعته توبته إلى الجنة حتى أوفدته عليها، وجالسوا التوابين، فإن رحمة الله إلى التوابين أقرب.


(١) الإيمان والحياة ٢٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>