للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فطلق هذه الدنيا ثلاثا ... وبادر قبل موتك بالمتاب

نصحتك فاستمع قولي ونصحي ... فمثلك قد يدل على الصواب

خلقنا للممات ولو تركنا ... لضاق بنا الفسيح من الرحاب

ينادي في صبيحة كل يوم ... لدوا للموت وابنوا للخراب

[الدولة الغريبة]

تروى كتب التراث أن دولة غريبة، لها قوانينها الغريبة، تقع في وسط صحراء مقطوعة، مليئة بالزواحف الخطرة، والوحوش الضارية، ولكن هذه الدولة لها أسوار عالية لا يمكن أن يتسلقها أحد، ولا يمكن لأحد أن يخرج منها إلا من بابها الذي لا يفتح إلا كل خمس سنوات، هي مدة بقاء حاكم البلد فيها، حيث يطرد من بابها بعد انقضاء مدته، وغالبا يكون مصيره الموت في تلك الصحراء التي لا يوجد فيها أي مظهر من مظاهر الحياة، وفي نهاية مدة أحد حكامها وما أعقبها من مراسم الطرد، أعلن عمن يتطوع لإدارة الدولة فلم يتطوع أحد، ومضت الأيام دون أن يتقدم أحد إلى أن فوجئ الجميع بشاب في مقتبل العمر يتقدم للجنة المشرفة على الاختبار، ويقبل بالمهمة الصعبة، فعرضوا عليه شروط الحكم وأفهموه كل شيء عن مدة حكمه، ومصيره بعد ذلك فوافق على جميع الشروط.

وبدأ فترة حكمه يحدبة، وهمة عالية، وكان قد انفق مع آلاف العمال سرا، حيث كان يخرجهم من البوابة ليلا ليشقوا القنوات المتصلة بالعيون من داخل الدولة، ويغرسوا الشجر المثمر بجميع أنواعه، ويستمر العمال في العمل ولا يدخلون حتى قبيل الفجر فيدخلون، وهكذا استمر في هذه الخطة حتى شارفت مدته على الانتهاء، فلما جاء فريق الإشراف على التعيين والطرد ليخبره بقرب موعد الرحيل لم يروا عليه ما كانوا يرونه على من سبقوه من الوجل والرعب، بل رحب بقرب الموعد، وأبدى شجاعة متناهية وطمأنينة أدهشتهم، ولما جاء موعد الطرد، وفتحت الأبواب تعجب الجميع من مناظر الأشجار المثمرة، وقنوات المياه التي تتخللها، والآبار الجديدة التي حفرت حتى بدا ما هو خارج أجمل مما في داخلها، ولما سألوا عن ذلك أخبرهم بما قام به من استعدادات ليوم الرحيل، أعجبوا به أشد الإعجاب واتفق الجميع على أن يولوه حاكما عليهم مدى الحياة.

<<  <  ج: ص:  >  >>