للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حبهن، فاستجاب لي حتى صرت ما أبالي امرأة رأيت أم جدارا.

فقلت: هذه واحدة، فما الثانية؟

فقال: الثانية أني سألت ربي ألا أخاف أحدا غيره، فاستجاب لي حتى أني -والله- ما أرهب شيئا في الأرض ولا في السماء سواه.

قلت: فما الثالثة؟

فقال: سألت ربي أن يذهب عني النوم حتى أعبده بالليل والنهار كما أريد فمنعني هذه الثالثة. فلما سمعت منه ذلك قلت له: رفقا بنفسك، فإنك تقضي ليلك قائما، وتقطع نهارك صائما، وإن الجنة تدرك بأقل مما تصنع، وإن النار تتقي بأقل مما تعاني، فقال: إني لأخشى أن أندم حيث لا ينفع الندم، والله لأجتهدن في العبادة ما وجدت إلى الاجتهاد سبيلا، فإن نجوت فبرحمة الله، وإن دخلت النار فبتقصيري (١).

أخي الحبيب: لا تترك قيام الليل مهما كانت الظروف، وداوم على صلاة ركعتين يوميا على الأقل في وقت السحر، فإن لم تستطع فحافظ عليها قبل النوم، واسأل الله أن يوقظك في الثلث الأخير من الليل.

[أبو حنيفة]

عرف عن أبي حنيفة أنه صلى الفجر بوضوء العشاء أربعين عاما.

وأنه ختم القرآن في الموضع الذي توفي فيه سبعة آلاف مرة.

وكان إذا قرأ سورة الزلزلة اقشعر جلده ووجل فؤاده، وأخذ لحيته بيده وطفق يقول: يا من يجزي بمثقال ذرة خيرا خيرا، يا من يجزي بمثقال ذرة شرا شرا، أجر عبدك النعمان من النار، وباعد بينه وبين ما يقربه منها، وأدخله في واسع رحمتك يا أرحم الراحمين (٢).

قدم أعمالا صالحة قبل الدعاء وستجد راحة في قلبك واطمئنانا في نفسك.

[القيام والبكاء]

أقبل أبو حنيفة ذات يوم على جماعة من الناس فسمعهم يقولون: إن هذا الرجل


(١) صور من حياة التابعين ٢٤: ٢٨.
(٢) المصدر نفسه ٤٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>