للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصور، وبعثرت القبور، وحشر الخلائق وأنا معهم، فسمعت حسًّا من ورائي، فالتفت، فإذا أنا بتنين أعظم ما يكون أسود أزرق قد فتح فاه مشرعا نحوي، فمررت بين يديه هاربا فزعا مرعوبا، فمررت في طريقي بشيخ نقي الثوب طيب الرائحة فسلمت عليه فرد السلام، فقلت: أيها الشيخ، أجرني من هذا التنين أجارك الله، فبكى الشيخ وقال لي: أنا ضعيف وهذا أقوى مني وما أقدر عليه، ولكن مر وأسرع فلعل الله أن يتيح لك ما ينجيك منه، فوليت هاربا على وجهي، فصعدت على شُرُف من شرف القيامة، فأشرفت على طبقات النيران، فنظرت إلى هولها، وكدت أهوى فيها من فزع التنين، فصاح بي صائح: ارجع فلست من أهلها، فاطمأننت إلى قوله ورجعت ورجع التنين في طلبي، فأتيت الشيخ فقلت: يا شيخ سألتك أن تجيرني من هذا التنين فلم تفعل، فبكى الشيخ وقال: أنا ضعيف ولكن سر إلى هذا الجبل، فإن فيه ودائع المسلمين، فإن كان لك فيه وديعة فستنصرك، قال: فنظرت إلى جبل مستدير من فضة، وفيه كوى مخرمة وستور معلقة فلما نظرت إلى الجبل وليت إليه هاربا والتنين من ورائي، حتى إذا اقتربت منه صاح بعض الملائكة: ارفعوا الستور فلعل لهذا البائس فيكم وديعة تجيره من عدوه، فإذا الستور قد رفعت، فرأيت أطفالاً بوجوه كالأقمار، وقرب التنين مني فتحيرت في أمري، فصاح بعض الأطفال: ويحكم، أشرفوا وإذا أنا بابنتي التي ماتت قد أشرفت على معهم، فلما رأتني بكت وقالت: أبي والله، ثم وثبت في كفة من نور كرمية السهم حتى مثلت بين يدي، فمدت يدها الشمال إلى يدي اليمنى فتعلقت بها ومدت يدها اليمنى إلى التنين فولى هاربا، ثم أجلستني وقعدت في حجري وضربت بيدها اليمنى إلى لحتي وقالت: يا أبت {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: ١٦]، فبكيت وقلت: يا بنية أخبريني عن التنين الذي أراد أن يهلكني، قالت: ذلك عملك السوء قويته فأراد أن يغرقك في نار جهنم، قلت فأخبريني عن الشيخ الذي مررت به في طريقي، فقالت: يا أبت ذلك عملك الصالح أضعفته حتى لم يكن له طاقة بعملك السوء، قلت: أي بنية! وما تصنعون في هذا الجبل؟ قالت: نحن أطفال المسلمين قد أسكنا فيه إلى أن تقوم الساعة ننتظركم تقدمون علينا فنشفع لكم، قال مالك: فانتبهت فزعًا وأصبحت فأرقت المسكر وكسرت الأنية وتبت إلى الله، وهذا كان سبب توبتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>