للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروي أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب اشترى من السوق لحما بدرهم، فحمله في ملحفته، فقال له أحد أصحابه: أحمل عنك يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا، أبو العيال أحق أن يحمل.

ويقول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: لا ينقص الرجل الكامل من كماله ما حمل من شيء إلى عياله.

وروي أن عمر بن عبد العزيز أتاه ليلة ضيف، وكان يكتب، فكاد السراج يطفأ، فقال الضيف: أقوم إلى المصباح فأصلحه؟

فقال: ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه.

قال: أفأنبه الغلام؟

فقال: هي أول نومة نامها، فقام عمر وملأ المصباح زيتا.

فقال الضيف: قمت أنت بنفسك يا أمير المؤمنين؟

فقال: ذهبت وأنا عمر، ورجعت وأنا عمر، ما نقص مني شيء، وخير الناس من كان عند الله متواضعا.

[الفرق بين التواضع والمهانة]

يقول ابن القيم: التواضع يتولد من بين العلم بالله سبحانه ومعرفة أسمائه وصفاته ونعوت جلاله، وتعظيمه، ومحبته، وإجلاله، ومن معرفته بنفسه وتفاصيلها وعيوب عملها وآفاتها، فيتولد من بين ذلك كله خلق التواضع، وهو انكسار القلب لله، وخفض جناح الذل والرحمة بعباده، فلا يرى له أحد فضلا ولا يرى له عند أحد حقا، بل يرى الفضل للناس عليه، والحقوق لهم قبله، وهذا خلق إنما يعطيه الله عز وجل من يحبه ويكرمه ويقربه.

وأما المهانة فهي الدناءة والخسة وبذل النفس وابتذالها في نيل حظوظها وشهواتها، كتواضع السفل في نيل شهواتهم، وتواضع المفعول به للفاعل، وتواضع طالب كل حظ لمن يرجو نيل حظه منه، فهذا كله ضعة لا تواضع، والله سبحانه يحب التواضع، ويبغض

<<  <  ج: ص:  >  >>