للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال حذيفة: إن الله عز وجل منَّ علينا بدينه وأرانا آياته حتى عرفناه، وكنا منكرين، ثم أمرنا بدعوة الناس، إلى واحدة من ثلاث، فأيها أجابوا إليها قبلناها: الإسلام وننصرف عنكم، أو الجزية ونمنعكم إن أجبتم إلى ذلك، أو المنابذة.

فقال رستم: أو الموادعة إلى يوم ما.

قال حذيفة: نعم، ثلاث من أمس، فلما لم يجد رستم عنده إلا ذلك طلب منه العودة إلى أصحابه، فانصرف عائدا إليهم.

وأقبل رستم على قواده لعلهم يقبلون مصالحة المسلمين، فقال لهم: ويحكم! ألا ترون إلى ما أرى؟ جاءنا الأول بالأمس فغلبنا على أرضنا، وحقر ما نعظم وأقام فرسه على فرشنا وربطه به، فهو في يمن الطائر، ذهب بأرضنا ومن فيها إليهم، من فضل عقله، وجاءنا هذا اليوم فوقف علينا، فهو في يمن الطائر يقوم على أرضنا (١).

[ما حجتك عند الله؟]

مر والي البصرة بمالك بن دينار متبخترا بمشيته فصاح به: أقل من مشيتك هذه، فهمَّ خدمه به، فقال: دعوه، ما أراك تعرفني.

فقال له مالك: وما أعرف بك مني، أما أولك فنطفة مذرة، وأما آخرك فجيفة قذرة، وأنت بين ذلك تحمل العذرة، فنكس الوالي رأسه ومشى (٢).

[استحضر هيبة الله]

كان العز بن عبد السلام شجاعا مقداما، فقد ذهب ذات مرة إلى السلطان في يوم عيد إلى القلعة، فشاهد الأمراء والخدم والحشم يقبلون الأرض أمام السلطان، وشاهد الجند صفوفا أمامه، ورأى الأبهة والعظمة تحيط به من كل جانب، فتقدم الشيخ إلى السلطان، وناداه باسمه مجردا، وقال: يا أيوب، ما حجتك عند الله إذا قال لك: ألم أبوئ لك مصر، ثم تبيح الخمور؟ واستطرد الشيخ قائلا: نعم تباح الخمور في الحانات وغيرها من المنكرات، وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة، وأخذ الشيخ يناديه بأعلى صوته والعساكر واقفون.


(١) الناطقون بالحق ١٩٩، ٢٠٠.
(٢) المصفى (١/ ٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>