للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنه ليس من اليسير أن يبايع أحد بعد البدء بالبيعة لأحد الأنصار، فأسرع عمر بعد الشورى إخمادا للفتن، وقال للأنصار: يا معشر الأنصار، ألستم تعلمون أن رسول الله أمر أبا بكر أن يؤم الناس فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ فقالت الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر، ثم بادر - صلى الله عليه وسلم - وقال لأبي بكر: ابسط يدك نبايعك.

وكانت الشورى في اختيار خليفة المسلمين سببا في توحيد الكلمة، ووحدة الأمة، فليجتمع الحكام وليتشاوروا فيما بينهم لإنشاء سوق عربية مشتركة لمواجهة التكتلات العالمية، وإظهار وحدة العرب والمسلمين.

[الرسول - صلى الله عليه وسلم - يستشير]

استشار الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في قضية الأسرى، فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: يا رسول الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية وعسى أن يهديهم الله، فقال رسول الله: "ما ترى يا ابن الخطاب؟ " قال: أرى أن تمكنني من فلان قريب لعمر فأضرب عنقه، وتمكن عليا من عقيل بن أبي طالب وتمكن حمزة من فلان أخيه حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين، وهؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم.

فهوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قال عمر، وأخذ منهم الفداء، فلما كان من الغد قال عمر: فغدوت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر، وهما يبكيان، فقلت: يا رسول الله، أخبرني ما يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله: "للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء. فقد عرض على عذابهم أدنى من هذه الشجرة -شجرة قريبة- قال تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: ٦٧] والكتاب الذي سبق من الله هو قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: ٤] فقيه الإذن بأخذ الفدية من الأسرى ولذلك لم يعذبوا، وإنما نزل العتاب لأنهم أسروا الكفار قبل أن يثخنوا في الأرض، ثم إنهم قبلوا الفداء من أولئك المجرمين، الذين لم يكونوا أسرى حرب فقط، بل كانوا مجرمي حرب لا يتركهم قانون الحرب الحديث إلا ويحاكمهم، ولا يكون الحكم في الغالب إلا بالإعدام أو بالحبس حتى الموت، واستقر الأمر على رأي الصديق فأخذ منهم الفداء، وكان الفداء من أربعة آلاف درهم إلى ثلاثة آلاف درهم إلى ألف درهم، وكان أهل مكة يكتبون وأهل المدينة لا يكتبون، فمن لم يكن

<<  <  ج: ص:  >  >>