للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن فلانا التجيبي ذكر أنك نفقته، وقد أمرته إن أقام عليك شاهدين، أن يضربك أربعين -أو قال سبعين- فقام فقال: أنشد الله رجلا سمع عَمْرًا نفقني إلا قام فشهد، فقام عامة من في المسجد، فقال له حنتمة: أتريد أن تضرب الأمير؟ وعرض عليه الأرش "دية الجرح" فقال: لو ملأت لي هذه الكنيسة ما قبلت، فقال له حنتمة: أتريد أن تضربه؟ قال: ما أرى لعمر هاهنا طاعة، فلما ولما قال عمرو: ردوه، فأمكنه من السوط، وجلس بين يديه، فقال: أتقدر أن تمتنع عني بسلطانك؟ قال: لا، فامض لما أمرت به، قال: فإني قد عفوت عنك (١).

[قميص عمر]

جاءت إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أقمشة من اليمن، فأعطي كل رجل من المسلمين قطعة تكفي ثوبا واحدا، ثم أخذ نصيبه ونصيب ولده عبد الله وخاطه ولبسه.

فلما صعد عمر المنبر ليخطب في الناس، وقال: أيها الناس اسمعوا وأطيعوا، قام إليه رجل من المسلمين، وقال: لا سمعا ولا طاعة، فقال عمر: ولم ذلك؟ قال: لأنك استأثرت علينا، قال عمر: بأي شيء؟ قال الرجل: لقد أعطيت كلا منا قطعة من القماش، تكفي ثوبا واحدا، وأنت رجل طويل، وهذه القطعة لا تكفيك ثوبا، ونراك قد خيطه قميصا تاما، فلابد أنك أخذت أكثر مما أعطيتنا، فالتفت أمير المؤمنين إلى ابنه عبد الله، وقال: يا عبد الله أجبه عن كلامه، فقال عبد الله: لقد أعطيته من كسائي ما أتم به قميصه، قال الرجل: أما الآن فالسمع والطاعة.

الأمير لا يستأثر على الرعية بأموال لا تحل له من المال العام.

[مجلس القضاء]

كان بين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وأبي بن كعب رضي الله عنهما خصومة فذهبا إلى زيد بن ثابت ليحكم بينهما، فرحب بهما زيد، وأدخلهما ووسع لعمر ليجلسه في مكان متميز، وقال: اجلس ما هنا يا أمير المؤمنين، فقال له عمر: هذا أول جور (ظلم) جرت في حكمك، ولكن أجلس مع خصمي.

وجلس الخصمان معا أمام زيد، فادعى أبي شيئا وأنكر عمر، وفي مثل هذه الحال، على المدعي أن يأتي ببينة، وعلى من أنكر أن يقسم، عندئذ قال زيد لأبي: أعف أمير


(١) من يظلهم الله (١/ ١١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>