للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اصطفاه لنفسه، وبعث به رسله، فأدعوك إلى الله وحده وإلى عبادته، وتكفر باللات والعزى".

فقال له علي: هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم، فلست بقاض أمرا حتى أحدث أبا طالب، فكره رسول الله أن يفشي عليه سره، قبل أن يستعلن أمره، فقال له: "يا علي، إذا لم تسلم فاكتم"، فمكث عليّ تلك الليلة، ثم إن الله أوقع في قلب علي الإسلام، فأصبح غاديا إلى رسول الله، حتى جاءه فقال: ما عرضت علي يا محمد؟ فقال له رسول الله: "تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وتكفر باللات والعزى، وتبرأ من الأنداد"، ففعل علي وأسلم، ومكث علي يأتيه على خوف من أبي طالب، وكتم إسلامه، ولم يظهر به.

وذكر بعض أهل العلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة، وخرج معه علي بن أبي طالب، مستخفيا من أبيه أبي طالب، ومن جميع أعمامه وسائر قومه، يصليان الصلوات فيها، فإذا أمسيا رجعا، فمكثا كذلك ما شاء الله أن يمكثا، ثم إن أبا طالب عثر عليهما يوما وهما يصليان، فقال لرسول الله: يا ابن أخي، ما هذا الدين الذي أراك تدين به؟ فقال: "أي عم، هذا دين الله ودين ملائكته ودين رسله ودين أبينا إبراهيم، بعثني الله رسولا إلى العباد وأنت يا عم أحق من بذلت له النصيحة، ودعوته إلى الهدى وأحق من أجابني وأعانني عليه"، فقال أبو طالب: يا ابن أخي، إني لا أستطيع أن أفارق دين آبائي وما كانوا عليه، ولكن والله لا يخلص إليك بشيء تكرهه ما بقيت (١).

[حب الخير للناس]

يقول الحاج أحمد أبو شادي: لعب الأخ إبراهيم دورا غاية في الذكاء .. دور المسلم الذي يتمنى الخير للناس جميعا، كيف وقد ذاق حلاوة الإيمان في ظل الجماعة أن يبخل على رفيق عمره بهذه المحنة؟ إنه يعلم مدى إتقاني لتلاوة القرآن الكريم وانتهزها فرصة ليصعد بي إلى المنصة، فأسر إلى الأخ المشرف على تنظيم الحفل بشيء، وبعدها انبعث صوت الميكروفون: القرآن الكريم من الأخ أحمد أبو شادي .. أخ .. وكانت مفاجأة .. إيه الورطة دي يا عم إبراهيم؟ فكلمة أخ كانت إذ ذاك ثقيلة على نفسي وسبحان الله بعد أن من الله علي بهذه الدعوة صارت هذه الكلمة وساما أفخر به ولا أود أن لي بها ألقاب سلاطين الدنيا .. ولم أر مفرا من الإذعان، وقمت متثاقلا واعتليت المنصة وشرعت في


(١) علي بن أبي طالب، للصلابي (١/ ٣٩، ٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>