للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عتاب للنفس]

كان عون بن عبد الله يقول في بكائه وذكر خطيئته: ويح نفسي! بأي شيء لم أعص ربي؟ ويحي! إنما عصيته بنعمته عندي، ويحي من خطيئة ذهبت شهوتها وبقيت تبعتها عندي! ويحي كيف أنسى الموت ولا ينساني؟! ويحي إن حجبت يوم القيامة عن ربي! ويحي كيف أغفل ولا يغفل عني؟! أم كيف تهنئني معيشتي واليوم الثقيل ورائي؟! أم كيف لا تطول حسرتي ولا أدري ما يفعل بي؟! أم كيف يشتد حبي لدار ليست بداري، أم كيف أجمع بها وفي غيرها قراري؟! أم كيف تعظم فيها رغبتي والقليل فيها يكفيني؟! أم كيف أوثرها وقد أضرت بمن آثرها قبلي؟! أم كيف لا أبادر بعملي قبل أن يغلق باب توبتي؟!

[تخيل نفسك]

يقول صاحب الإحياء: تخيل نفسك وقد قرع سمعك النداء إلى العرض، فيكفيك تلك الروعة جزاء عن ذنوبك، إذ يؤخذ بناصيتك، فتقاد وفؤادك مضطرب، ولبك طائر، وفرائصك مرتعدة، وجوارحك مضطربة، ولونك متغير، والعالم عليك من شدة الهول مظلم، فقدر نفسك وأنت بهذه الصفة تتخطى الرقاب، وتخرق الصفوف، وتقاد كما تقاد الفرس، وقد رفع الخلائق إليك أبصارهم، فتوهم نفسك أنك في أيدي الموكلين بك على هذه الصفة حتى انتهى بك إلى عرش الرحمن، فرموك من أيديهم، وناداك الله سبحانه وتعالى بعظيم كلامه: يا ابن آدم ادن مني، فدنوت منه بقلب خافق محزون وجل، وطرف خاشع ذليل وفؤاد منكسر، وأعطيت كتابك الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، فكم لك من فاحشة نسيتها فتذكرتها، وكم من طاعة غفلت عن آفاتها فانكشف لك عن مساويها، فكم لك من خجل وجبن، وكم لك من حصر وعجز، فليت شعري بأي قدم تقف بين يديه؟ وبأي لسان تجيب؟ وبأي عقل تعقل ما تقول؟ ثم تفكر في عظم حيائك إذا ذكرك ذنوبك شفاهًا، إذ يقول: يا عبدي أما استحييت مني فبارزتني بالقبيح؟ واستحييت من خلقي فأظهرت لهم الجميل؟ أكنت أهون عليك من سائر عبادي؟ استخففت بنظري إليك فلم تكترث، واستعظمت نظر غيري؟ ألم أنعم عليك؟ فماذا غرك بي؟ أظننت أني لا أراك وأنك لا تلقاني؟

<<  <  ج: ص:  >  >>