للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ويحي!]

بكيت على الذنوب أعظم جرمي ... وحق لكل من يعصى البكاء

فلو كان البكاء يرد همي ... لأسعدت الدمع معا دماء

أخي: أين الدموع السواجم قبل المنايا الهواجم؟! أين القلق الدائم إلى الذنوب العظائم؟! أيها القاعد والموت قائم، أنائم عن حديثنا أم متناوم؟ بادر بالتوبة من هفواتك، قبل فواتك، والمنايا بالنفوس فواتك (١).

ابكِ على خطيئتك

يقول ابن الجوزي: ينبغي للعاقل أن يكون على خوف من ذنوبه وإن تاب منها وبكى عليها، وإني رأيت أكثر الناس قد سكنوا إلى قبول التوبة، وكانهم قد قطعوا على ذلك، وهذا أمر غائب، ثم لو غفرت بقي الخجل من فعلها.

ويؤيد الخوف بعد التوبة أنه في الصحاح: أن الناس يأتون إلى آدم عليه السلام فيقولون: اشفع لنا، فيقول: ذنبي، وإلى نوح عليه السلام فيقول: ذنبي، وإلى إبراهيم وإلى موسى وإلى عيسى صلوات الله وسلامه عليهم، فهؤلاء إذا اعتبرت ذنوبهم لم يكن أكثرها ذنوبا حقيقة، ثم إن كانت فقد تابوا منها واعتذروا، وهم بعد على خوف منها، ثم إن الخجل بعد قبول التوبة لا يرتفع، وما أحسن ما قاله الفضيل بن عياض رحمه الله: واسوأتاه وإن عفوت!، فأف والله لمختار الذنوب ومؤثر لذة لحظة تبقي حسرة لا تزول عن قلب المؤمن وإن غفر له.

فالحذر الحذر من كل ما يوجب خجلا، وهذا أمر قلَّ أن ينظر فيه تائب أو زاهد، لأنه يرى أن العفو قد غمر الذنب بالتوبة الصادقة، وما ذكرته يوجب دوام الحذر والخجل.

...


(١) المصدر نفسه ٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>