للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجْهَه في رِضوانه والجنة، وحشَرَنا معه غيرَ خزايا ولا نادمين، ولا شاكِّين ولا مبدِّلين ولا مرتابين".

* السلام عليك أيها النبيُّ ورحمةُ الله وبركاته:

° للإِمام ابن القيم ذوقٌ عالٍ، وهو يُبينُ الحكمة في السلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهُّد بصيغة الخطاب، فقال -رحمه الله -: "وأمَّا السلام عليه، فأتى بلفظِ الحاضرِ المُخَاطَب تنزيلاً له منزلةَ المُواجَه لحكمةٍ بديعةٍ جدًّا؛ وهي أنَّه لما كان أَحبَّ إلى المؤمن من نفسِه التي بيْن جنبيْه، وأَوْلَى به منها، وأقربَ، وكانت حقيقتُه الذِّهنيةُ ومثالُه العِلميُّ موجودًا في قلبه بحيث لا يَغيبُ عنه إلاَّ شخصه كما قال القائل:

مِثالُك في عَيني وذِكرُك في فَمي … ومَثْوَاك في قلبي فأين تغيبُ!

ومَن كان بهذه الحال فهو الحاضرُ حقًّا، وغيرُه -وإن كان حاضرًا للعيان- فهو غائبٌ عن الجَنان، فكان خِطابُه خطابَ المواجهةِ والحضورِ بالسلام عليه أَوْلَى من سلامِ الغَيبة، تنزيلاً له منزلةَ المواجَهِ المعايَنِ لقربه من القلب، وحلوله في جميع أجزائه بحيث لا يبقى في القلب جزءٌ إلاَّ ومحبَّته وذِكرُه فيه، كما قيل: "لو شُقَّ عن قلبي يُرى وسطَه ذكرُك"، ولا يُستنكر استيلاءُ المحبوبِ على قلب المحبِّ وغَلبتُه عليه حتى كأنه يراه، ولهذا تجدُهم في خطابهم لمحبوبهم إنما يعتمدون خطابَ الحضور والمشاهَدة مع غايةِ البُعد العياني لكمالِ القرب الرُّوحي، فلم يَمْنَعْهم بُعْدُ الأشباحِ عن محادثةِ الأرواح ومخاطبتها، ومَن كثُفت طباعُه فهو عن هذا كلِّه بمعزل، وإنه لَيَبلغُ الحبُّ ببعضِ أهلِه أن يَرى محبوبَه في القرب إليه بمنزلة رُوحه التي لا شيء

<<  <  ج: ص:  >  >>