للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تمكَّن الشيطانُ مما تمكَّن مما يأتي بيانُه، وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعِزُّ عليه أن ينالَ الشيطانُ شيئًا -وإنْ قَلَّ تأثيرُه-.

المقام العاشر: إنَّ هذه الآيةَ نصٌّ في غَرَضِنا، دليلٌ على صِحَّةِ مذهبِنا، أصلٌ في براءةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ممَّا نُسب إليه أنه قاله عندنا، وذلك أنه قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: ٥٢] (١).

فأخبر الله تعالى أنَّ مِن سُنَّتِه في رُسُلِه، وسِيرتِه في أنبيائه، أنهم إذا قالوا عن الله قولاً، زاد الشيطانُ فيه مِن قِبَلِ نفسه، كما يَفعلُ سائرَ المعاصي، كما تقول: "ألقَيتُ في الدار كذا، وألقيتُ في العِكَمِ (٢) كذا، وألقيتُ في الكِيس كذا"، فهذا نصٌّ في أن الشيطانَ زاد في الذي قاله النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، لا أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قاله، وذلك أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ تلا قرآنًا مقطَّعًا، وسكت في مقاطعِ الآيِ سُكوتًا محصَّلاً، وكذلك كان حديثُه مترسِّلاً فيه، متأنيًا، فتَبعَ الشيطانُ تلك السَّكَتَاتِ التي بينَ قوله: {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم: ٢٠] وبينَ قوله تعالى: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى} [النجم: ٢١]، فقال -يُحاكي صوتَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم -: "وإنهن الغرانقة العلى، وإن شفاعَتَهُنَّ لترتَجى"، فأما المشركون والذين في قلوبهم مرضٌ لِقِلَّةِ البصيرةِ وفسادِ السريرة، فتَلَوْها عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ونَسَبوها بجَهلهم إليه، حتى سَجدوا معه اعتقادًا أنه معهم، وعَلِم الذين أُوتوا العلمَ والإيمانَ أنَّ القرآنَ حقٌّ من عندِ الله، فيؤمنون به، ويَرفضون غيرَه، وتُجيبُ قلوبُهم إلى الحق، وتَنفِرُ عن


(١) الأصل "تلاوته".
(٢) بكسر العين: العدل.

<<  <  ج: ص:  >  >>