للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَلَكْتُ غيرَ السنَن المسلوك.

وكان المَلِكُ يَلهَثُ ظمأ، ويَمِيلُ مِن سَكْرَةٍ الرُّعْب مُنْتَشِيَا، فآنَسَه السلطانُ وحاوره، وفثَأَ سَوْرَةَ الوَجَل الذي ساوَره، وسكَّن رُعْبَه، وأَمَّن قلبَه، وأَمَر له بماءٍ مَثلُوج فشَرِبه، وأطفأَ به لَهَبه، ثم ناول المَلِكُ الإبرنسَ القَدَح، فاستشفَّه، وبَرد به لَهْفَه، فقال السلطانُ للمَلِك: لَمْ تأخذ في سَقْيه مني إذْنًا، فلا يُوجبُ ذلك له مِني أَمْنًا، ثم ركب وخلاَّهُما، وبَنارِ الوَهَل (١) أصْلَاهُما، ولم ينزلْ إلى أن ضُرِب سُرَادقُه، ورَكزَت أعلامُه وبَيَارقُه، وعادت إلى الحِمَي عن الحَوْمهِ فَيَالِقُه.

فلمَّا دَخَل سُرَادقَه استَحضَرَ الإبرنسَ، فقام إليه، وتلقَّاه بالسَّيف، فَحَل عاتقَه، وحين صُرع أمرَ برأسِه فَقُطع، وجُرَّ برِجلِه قُدَّامَ المَلِكِ حين أخرج، فارتاع المَلِكُ وانزَعَج، فعَرَف السلطانُ أنه خامَرَه الفَزَع، وساوَرَه الهَلَع، وسَامَرَه الجَزَع، فاستدعاه واستَدْناه، وأَمَّنه وطمَّنه، ومكَّنَه من قُرْبهِ وسَكَّنه، وقال له: ذاك رداءتُه أَرْدَتْه، وغَدْرته كما تراه غادَرَتْه، وقد هلك بِغيه وبَغْيِه، ونبا زَنْدُ حياتِه وَوِرْدُها عن رِيه ووَرْيه" (٢).

° وقال أبو شامة أيضًا: "لَمَّا فَتَح اللهُ عليه بالنصر والظَفَر، جَلَس في دِهليز الخيْمة؛ فإنها لم تكُنْ نُصبتْ بعدُ، والناسُ يتقرَّبون إليه بالأُسارى وبمن وَجدوه من المتقدِّمين، ونُصِبت الخَيمةُ، وجَلَس فَرِحًا مسرورًا، وشاكرًا لِمَا أنعَمَ اللهُ به عليه، ثم استَحَضَر الملك "جفري" وأخاه والبرنس


(١) الوَهَل: الفَزَع.
(٢) "عيون الروضتين" (٣/ ٢٨٨ - ٢٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>