للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نبيِّهم بغير حدود، بل إنَّ مِن بينِهم مَن ابتَدعوا حكاياتٍ توصَفُ بالغباء، مؤدَّاها أن مَلَكانِ (بفتح الميم والسلام) أخذاه وهو في طفولته، وشقَّا بَدَنَه بسكينٍ، واستَخرجا قَلْبَه، وضَغَطَا عليه، وعَصَراه حتى استخرجا منه الفسادَ الأصلي (أو المتأصِّلَ في الإنسان)، فتساقَطَ على هيئةِ قِطراتٍ سوداءَ نَتِنَةٍ، ثم أعادوا قلبَه إلى موضعِه طاهرًا نقيًّا، أمَّا الجُرحُ الناتجُ عن شَقِّ الصدر (النص: البدن) فقد التَأَمَ بشكلٍ إعجازيٍّ، لذا فإنَّ أخلاقَه ظَلَّت فوقَ مستوى الجِنسِ البشريِّ، لكننا نجدُ هنا أن تاريخَ حياتِه وصفحاتِ القرآنِ تُمكنِّنُا من النظر إلى هذه الأمورِ التي نَسبوها إليه مِن خلال إنجازاتِه الشخصية، مما يجعلُنا نتشكَّكُ فيها ولابد، لقد مَجَّده أتباعُه لتقواه وصدقِه وعدالتِه وتواضعِه وصِدقِه وإنكارِه لذاته، إنهم لا يُساوِرُهم أدنى شكَّ في أنه نموذجٌ كاملٌ للإيمان والصدق، إنهم يتحدَّثون عن إحسانِه، ويُركِّزون عليه بشكلٍ خاص، فهم يقولون: إنه كان محسِنًا بشكلٍ واضحٍ لا يمكنُ إغفالُه، فقلَّما كان يَحتفظُ في بيته بمالٍ أكثَرَ مما يكفي لإعاشةِ أسرته، بل إنه كان يُؤثِرُ على نفسِه، فيُقدِّمُ للفقراءِ ما يَحتاجُ هو إليه، ربما كان الأمرُ كذلك، لكن عندما نكوِّنُ رأيًا حولَ هذه الصفات الخُلُقية التي تحلَّى بها لا يمكنُ أن نَنسى أنه كانت له غاياتٌ خاصةٌ يريدُ تحقيقَها، لذا فمن المُحالِ أن نَفصِلَ بين دوافعِه لعمل الخيراتِ الصادرةِ عن قلبٍ نبيل، ودوافعِه لعملِ الخيراتِ لتحقيقِ مصالحَ سياسية، ليس مِن غيرِ المعتادِ أن يُصاحِبَ الرغبةَ الشديدةَ في الحكم عواطفُ أو رغباتٌ أخرى أحيانًا ما تكون متناقضةً تناقضًا شديدًا وغيرَ متَّسِقةٍ بأيةِ حالٍ من الأحوال، ومع هذا نجدُها متَّسقةً يَخضعُ بعضُها لبعضِها الآخر بحكم الضرورة، فالطموحُ -أحيانًا- يُسيطرُ على نَزعةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>