للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكثيرًا ما نجدُ الآيات تُختم بـ {أَفَلَا تَعقِلُون}، {أَفَلَا تَتَفَكَّرُون}، {أَفَلَا تُبصِرُون}.

وكل ذلك يدلُّ على أن القرآنَ يَدفعُ الناسَ إلى استعمالِ العقل.

والواقعُ أن القرآنَ لا يَستشيرُ الإنسانَ في أيةِ قضيةٍ من القضايا التي جاء بها الوحيُ، ولا يَحتكمُ الوحيُ إلى الإنسانِ -باعتبارِه حَكَمًا- في أيِّ مبدإٍ من مبادئه، ولا يَطلبُ منه مشورةً في أيةِ قاعدةٍ من القواعدِ التي شَرَعها، بل هذه الأوهامُ لا تدورُ بخَلَدِ المتديِّن قطُّ.

ذلك أن الوحيَ نَزَل على أنه رسالةُ السماءِ النهائيةُ إلى العالم، ونَزَل يُبلِّغُ أن هذه الرسالةَ صِدقٌ كلُّها، حقٌّ جميعُها، وليس فيها مبدأٌ مشكوكٌ فيه، ولا قضيةَ تحتملُ الصدقَ والكذب، وليس فيها جملةٌ زائدة، ولا كلمةٌ ليست في موضعها، ولا حرفٌ كان يَحسُنُ ألاَّ يوجد. كلاَّ، إنها الحقُّ الخالص، مَن اتبعها فقد اهتَدى، ومَن حادَ عنها فقد انحرف، ومَن ابتغى الهُدى في غيرها أضلَّه الله، ومَن تركها مِن جبَّارٍ قَصَمه الله؛ لأنَّها صراطُ اللهِ المستقيمُ، ونورُه اللألَاءُ.

وكل ما ذَكره من التفكيرِ والنظرِ والتدبرِ، إنما أراد به "الاعتبار"، وأراد أن يقول: تفكَّروا لِتَرَوا أن ذلك هو الحقُّ، انظُروا لِتعلموا أن ذلك هو الخيرُ، أمَّا إذا رأيتم غيرَ ذلك، فإنما العَيبُ في بَصركم، أو في بَصيرتكم .. إذا رأيتم غيرَ ذلك، فإن الفسادَ في عقولكم وفي تفكيرِكم، وإذا رأيتم غيرَ ذلك، فاعلَموا أن فِطرتَكم فَسَدت لانحرافِكم، وأن قلوبَكم رانَ عليها الإثمُ فضَلَّت، وأن عقولَكم قد صَدِئت، فأصبحت لا تَرى الحقَّ حقًّا ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>