للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحقيقة المذكورةَ هي أهمُّ ما يجبُ على الناسِ عِلمُه، لم يكن إلاَّ أمرًا بديهيًّا".

° إلى أن قال: "فحبَّذا محمدٌ من رجلٍ خَشِنِ اللباس خَشِنِ الطعام، مجتهدٍ في الليل، قائمِ النهار، ساهرِ الليل، دَئِبٍ في نشرِ دينِ الله، غيرِ طامحٍ إلى ما يَطمحُ إليه أصاغرُ الرجال من رُتبةٍ أو دولةٍ أو سلطان، غير متطلِّع إلى ذِكرٍ أو شُهرةٍ كيفَما كانت، وإلاَّ فما كان ملاقيًا من أولئك العرب الغِلاظِ توقيرًا واحترامًا إكبارًا وإعظامًا، وما كان يقودُهم ويُعاشرُهم معظمَ أوقاته مدَّةَ ثلاثٍ وعشرين سنةً وهم ملتفُّون به، يُقاتِلون بين يديه وُيجاهدون حوله، لقد كان في هؤلاء العربِ جَفاءٌ وغِلظةٌ وبادرةٌ وعجرفة، وكانوا حُماةَ الأنوفِ، أباةَ الضيم، صِعابَ الشكيمة، حتى قَدَر على رياضتِهم وتذليلِ جانبِهم، حتى رَضَخوا له، فذلكم -وأيم الحق- بطلٌ كبير: ولولا ما أبصَروا فيه من آياتِ النُّبلِ والفضلِ لَمَا خَضَعوا له ولَمَا أذعَنوا، كيف وقد كانوا أطوعَ إليه من بَنانه؟ وظنِّي أنه لو أتيح لهم بَدَلَ محمد قيصرٌ من القياصرة بتاجِه وصَولجانه، لَمَا كان مصيبًا من طاعتهم مِثلَ ما ناله محمدٌ في ثوبه المرقَّع بيده، فكذلك تكون العَظمةُ، وهكذا تكونُ الأبطال".

° ثم قال: "إن ما اتَّصف به محمدٌ من محامِدِ الصفات يُرينا فيه أخا الإنسانية الرحيمَ، أخانا جميعًا، وإني لأُحبُّ محمدًا لبراءةِ طبعِه من الرياءِ والتصنع، ولقد كان ابنَ القِفارِ، لا يقول إلاَّ على نفسِه، ولا يدَّعي ما ليس فيه، ولم يكن متكبِّرًا، ولم يكن ذليلاً ضَرِعًا، فهو قائمٌ في ثوبه المرقَّع كما أوجده الله وكما أراد، يخاطِبُ بقوله الحُرِّ البينِ قياصرةَ الروم وأكاسرةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>