للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من المسيحيين الأوائل لكي يُدركوه، قد أدركه محمدٌ بعد سنواتٍ قليلة، وهو: أنه ما دامت إرادةُ اللهِ قد اقتضت أن تمتدَّ الحياةُ الدنيا فترةً من الوقت -طالت أو قَصُرت-، فإن جماعته (١) ينبغي أن تستقرَّ فيها في التقاءٍ كاملٍ مع تعاليمِ الوَحىِ المُنَزَّل .. ومن ثَمَّ أصبحت مهمةُ الجماعةِ أن تُنشِئَ نَمَطًا شاملاً للحياة في ظِلِّ "الله" (٢) يشملُ كلَّ وجهٍ من وجوهِ الوجود البشري -مِن أوَّل التصوُّرِ إلى الدفن (٣) -، ويُلغى كلَّ تمييزٍ بين المقدَّسِ والدنيويِّ من مظاهر الحياة، يجعلُ كلَّ دقيقةٍ من دقائق الحياة متصلةً بعضُها ببعضِ برباط الدين، ومحتاجةً إلى مراسم "دينية" لتكملتها عند أيِّ عملٍ من الأعمال -مهما كان نوعه-، وبهذه الطريقة توحَّدت صور السلوك إلى حدٍّ ما .. ولكنَّ الحياةَ كلَّها -حتى أدقَّ تفصيلاتِها- أُعطيت صورةً ساميةً مستمدَّةً من دلالتها الدينية .. ولم تكن حياةُ الفرد وحدَه هي التي ينبغي لها أن تتحوَّل إلى مجموعةٍ مُتَّسقةٍ من الأعمال التي يطلبُها الله منه .. بل إنَّ المجتمعَ الإسلامي -في مجموعه- كان ينبغي أن يُحوَّلَ بالمِثل، فصارت الدولة والجيش والخزانة (٤) في اصطلاح المؤمنين الأوائل: دولةَ الله، وجيشَ الله، وخزانه الله" (٥).

* * *


(١) أي: المسلمين.
(٢) أي: في ظلٍّ وحي الله.
(٣) أي: يشملُ الأمور الفكرية والمعنوية، كما يشمل الأمور السلوكية والمادية.
(٤) أي: بيت المال.
(٥) نقلاً عن: "هل نحن مسلمون؟ " لمحمد قطب (٢٥ - ٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>