للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نزلت بسبب لَمْزِ قَوْمٍ وأذى آخَرِين، فحُكمُها عامٌّ كسائِر الآيات اللواتي نزلْنَ على أسباب، وليس بين الناس خلافٌ نعلمُه أنها تعمُّ الشخصَ الذي نزلت بسببه ومَنْ كان حالُه كحاله، ولكن إذا كان اللفظُ أعمَّ من ذلك السبب، فقد قيل: "إنه يَقتصِرُ على سببه".

والذي عليه جماهيرُ الناس أنه يجبُ الأخْذ بعموم القول، ما لم يَقُمْ دليلٌ يوجبُ القَصْرَ على السبب.

وأيضًا، فإن كَوْنَه منهم حُكمٌ معلَّقٌ بلفظٍ مشتقٍّ من اللمز والأذى، وهو مناسبٌ لكونه منهم؛ فيكونُ ما منه الاشتقاقُ هو علَّةً لذلك الحكمِ، فيجب اطِّرَادُه.

وأيضًا، فإن هذا القولَ مناسبٌ للنفاق؛ فإن لَمْزَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأذاه لا يفعلُه مَنْ يعتقدُ أنه رسولُ الله حقًّا، وأنه أَوْلى به من نَفْسه، وأنه لا يقولُ إلاَّ الحق، ولا يَحكمُ إلاَّ بالعدل، وأن طاعتَه طاعةٌ لله، وأنه يجبُ على جميعِ الخلق تعزِيرُه وتوقيره، وإذا كان دليلاً على النفاق نفسِهِ، فحيثما حَصَل حَصَل النفاق.

* الدليل الرابع: قوله سبحانه وتعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٥].

أقْسَمَ سبحانه بنفسهِ أنهم لا يؤمنون حتى يحكِّموه في الخصومات التي بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم ضيقًا من حكمه، بل يُسلِّموا لِحكمِهِ ظاهرًا وباطنًا.

* وقال قبل ذلك: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ومَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن

<<  <  ج: ص:  >  >>