للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للقتل، أو آمن مَنْ وجب قتلُه لأجل زِناه، أو آمن مَنْ وجب قتلُه لأجل الرِّدة، أو لأجلِ تركِ أركانِ الإسلام ونحو ذلك، ولا يجوزُ أن يَعقِدَ له عَقدَ عهدٍ، سواءٌ كان عقدَ أمانٍ، أو عَقْدَ هُدنةٍ، أو عَقْدَ ذِمة؛ لأنَّ قتلَه حدٌّ من الحدود، وليس قتلُه لمجردِ كونهِ كافرًا حربيًّا كما سيأتي، وأمَّا الإغارةُ والبياتُ فليس هناك قولٌ أو فعلٌ صاروا به آمنين، ولا اعتَقدوا أنهم قد أُمِنوا، بخلافِ قصةِ كعبِ بنِ الأشرف.

فثَبَت أن أذى اللهِ ورسولهِ بالهجاء ونحوِه لا يُحْقَنُ معه الدمُ بالأمان، فلأَن لا يُحْقَنَ معه بالذمةِ المؤَبَّدة والهدنةِ المؤقتةِ بطريقِ الأولى، فإن الأمانَ يجوزُ عقدُه لكلِّ كافر، ويَعقِدُه كلُّ مسلم، ولا يُشترطُ على المستأمَن شيءٌ من الشروط، والذمةُ لا يَعقِدُها إلاَّ الإمامُ، أو نائبُه، ولا تُعقَدُ إلاَّ بشروطٍ كثيرةٍ تُشترطُ على أهل الذمة: مِن التزامِ الصَّغَارِ ونحوه، وقد كان عَرَضَتْ لبعضِ السفهاء شُبْهَةٌ في قتلِ ابنِ الأشرف؛ فظن أن دمَ مثلِ هذا يُعصَمُ بذمةٍ متقدِّمةٍ، أو بظاهرِ أمان، وذلك نظيرُ الشُّبهةِ التي عَرَضت لبعضِ الفقهاء، حتى ظنَّ أن العهدَ لا يُنتقض بذلك، فروى ابنُ وهب: أخبَرَني سفيانُ بنُ عُيَينة عن عُمرَ بنِ سعيد -أخي سفيانَ بنِ سعيدٍ الثوريِّ-، عن أبيه، عن عَبايةَ قال: ذُكر قتلُ ابنِ الأشرف عند معاوية، فقال ابنُ يامين: كان قَتلُه غدرًا، فقال محمدُ بنُ مَسْلَمة: يا معاوية، أيُغَدَّرُ عندك رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ثم لا تُنكِر؟ واللهِ لا يُظِلُّني وإياك سقفُ بيت أبدًا، ولا يخلو لي دمُ هذا إلاَّ قتلتُه" (١).


(١) "معالم السنن" للخطَّابي (٤/ ٨٢ - ٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>