للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"نعم"، فانصرف به، فلمَّا وَلَّى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا صَمَتُّ إلاَّ رَجَاءَ أنْ يَقُومَ إلَيْه بَعْضُكُمْ فَيَقْتُلَهُ"، فقال رجلٌ من الأنصار: يا رسول الله، ألَا أومأتَ إلَيَّ فأقتلَه؟، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:"إنَّ النَّبِيَّ لَا يَقْتُلُ بِالإشَارَةِ" (١).

° وقال ابنُ إسحاق في روايةِ إبراهيمَ بنِ سعدٍ عنه: "حدَّثني بعضُ علمائِنا أن ابنَ أبي سرحٍ رَجَع إلى قريشٍ فقال: واللهِ لو أشاء لقُلتُ كما يقول محمدٌ، وجِئتُ بمِثل ما يأتي به، إنه لَيقولُ الشيءَ وأصْرِفُه إلى شيءٍ، فيقول: أصَبْتَ، ففيه أنزل الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} [الأنعام: ٩٣] الآية. فلذلك أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتله" (٢).

° فوجهُ الدلالةِ أن عبد الله بنَ سعد بنِ أبي سَرحٍ افترى على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يُتَمِّم له الوحيَ ويكتبُ له ما يريد، فيوافقُه عليه، وأنه يُصَرِّفه حيث شاء، وبغيرِ ما أَمَره به من الوحي، فيُقرُّه على ذلك، وزَعَم أنه سيُنزلُ مثلَ ما أنزل الله، إذ كان قد أُوحي إليه -في زعمه- كما أوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا الطعن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى كتابه، والافتراءُ عليه بما يوجبُ الرَّيبَ في نبوَّتهِ قَدْرٌ زائدٌ على مجردِ الكفر به والرِّدَّةِ في الدين، وهو من أنواع السبِّ.

وكذلك لَمَّا افترى عليه كاتبٌ آخرُ مثلَ هذه الفِريةِ، قَصَمَه الله وعاقَبه عقوبةً خارجةً عن العادة، ليتبيَّنَ لكلِّ أحدٍ افتراؤه، إذ كان مِثلُ هذا يوجبُ


(١) "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٤٠٩)، و (مستدرك الحاكم) (٣/ ٤٥)، و"تفسير القرطبي" (٧/ ٤٠)، "الدر المنثور".
(٢) "تفسير الطبري" (٥/ ٢٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>