للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُوجِبةِ للقتال، ولهذا يُغَلَّظُ على الطاعن في الدين من العقوبة ما لا يُغلَّظُ على غيره من الناقضين -كما سنذكره إن شاء الله تعالى-، أو يكون ذَكَرَه على سبيل التوضيحِ وبيانِ سبب القتال؛ فإن الطعنَ في الدين هو الذي يجبُ أن يكون داعيًا إلى قتالهم لتكونَ كلمةُ الله هي العليا .. وأما مجرَّدُ نكثِ اليمين، فقد يُقاتَلُ لأجلِه شجاعةً وحَمِيَّةً ورياءً، ويكون ذكر لطعن في الدين لأنه أوجَبَ القتالَ في هذه الآية بقوله تعالى: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ}، وبقوله تعالى: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} إلى قوله: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} [التوبة: ١٣، ١٤] الآية. فيُفيد ذلك أن مَنْ لم يَصْدُرْ منه إلاَّ مجردُ نكثِ اليمين، جاز أن يُؤمَّنَ ويعاهَد، وأمَّا مَنْ طَعَن في الدين فإنه يتعيَّنُ قتالُه، وهذه كانت سنةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه كان يُنْدِرُ (١) دماءَ مَن آذى اللهَ ورسوله وطَعَن في الدين -وإن أمْسَكَ عن غيره-، وإذا كان نقضُ العهدِ وحده مُوجِبًا للقتال -وإن تَجَرَّد عن الطعن-، عُلم أنَّ الطعنَ في الدِّين إما سَبَبٌ آخر، أو سببٌ مستلزِمٌ لنقضِ العهد، فإنه لا بد أن يكونَ له تأثيرٌ في وجوب المقاتَلة، وإلاَّ كان ذِكرُه ضائعًا.

الوجه الثاني: أن الذِّميَّ إذا سبَّ الرسولَ أو سبَّ اللهَ أو عاب الإسلامَ علانيةً، فقد نكَث يمينَه وطَعَن في ديننا؛ لأنه لا خلافَ بين المسلمين أنه يُعاقَبُ على ذلك ويُؤَدَّبُ عليه، فعُلم أنه لم يُعاهَدْ عليه، لأنا لو عاهدناه


(١) يُهدر. ونَدَر أي: أسقط أو أهدر. انظر: "النهاية" (٥/ ٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>