للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

° وقال أبو بكر بن عبد بن الزبير الحميدي في "مسنده": قال هارون المَدَني: قال عبد الله بن عبدِ الله بنِ أُبَي بنِ سلول لأبيه: واللهِ لا تدخلُ المدينةَ أبدًا حتى تقول: رسول الله الأعز، وأنا الأذل، قال: وجاء النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسولَ الله، إنه بلغني أنك تريدُ أن تقتلَ أَبِي، فو الذي بعثك بالحقِّ ما تأملتُ وجهَه قطُّ هيبةً له، ولئن شئتَ أن آتيَك برأسه لَاتينَّك، فإني أكرهُ أن أرى قاتلَ أبي".

فانظر إلى رأس النفاق، الذي لم يَهْدِ اللهُ قلبَه للإِيمان، ولم يكتبْ له هذه الرحمةَ، وهذه النعمة، وتقفُ دونَ هذا الفيضِ المتدفِّق من النور والتأثير إحْنةٌ في صدره، أن لم يكن مَلِكًا على الأوس والخزرج، بسبب مَقْدِم رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، فتَكُفُّه هذه وحدَها عن الهدى، ويقول ما قال، قولةً يتجلَّى فيها خُبثُ الطبع، ولؤمُ النحيزة، فيكونُ جزاؤه من جنس عمله وقوله، على يدِ ابنه، ليتقرَّر بالتجربةِ الواقعة مَن هو الأعزُّ، ومَن هو الأذلُّ، في نفسِ الواقعة، وفي ذاتِ الأوان، ولم يَدخُلها الأذلُّ إلاَّ بإذن الأعز.

ويضمُّ اللهُ -سبحانه- رسولَه والمؤمنين إلى جانبه، ويضفِي عليهم من عِزَّته، وهو تكريم هائل لا يُكرِمُه إلاَّ الله، وأيُّ تكريمٍ بعدَ أن يوقِفَ اللهُ - سبحانه - رسولَه والمؤمنين معه إلى جواره، ويقول: "ها نحن أولاء، هذا لواءُ الأعزاء، وهذا هو الصفُّ العزيز".

عِزةٌ مستمَدَّةٌ من عِزَّته، لا تهونُ ولا تهان، ولا تنحنى ولا تلين، ولا تُزايلُ القلبَ المؤمن في أَوجِ اللحظات، إلا أن يتضعضعَ فيه الإِيمان، فإذا

<<  <  ج: ص:  >  >>