للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع بني قريظة قبل مَجيءِ الأحزاب، ولكنهم غَدَروا بالمسلمين، وقد كانوا خَلْفَهم، وقَوَّاهم على ذلك شيطانُ بني النضير حُيَيّ بنُ أخطب.

ذَهَب شيطانُ خيبر -حُييُّ بنُ أخطب - إلى حِصنِ بني قريظةَ قائلاً: "ويحكَ يا كعبُ، افتحْ لي، فقال له كعبٌ -وقد تَمنَّع-: يا حُيي، إنك امرؤٌ مشؤوم، وإني عاهدتُ محمدًا، فلستُ بناقضٍ ما بيني وبينه، ولم أرَ منه إلاَّ وفاءً وصِدقًا، فقال له حييٌّ: ويحك، افتحْ لي أُكلِّمْك، فقال: ما أنا بفاعل، فغاظَ ذلك حُييًّا، فقال لكعب: والله ما أغلقتَ دوني إلاَّ تخوُّفاً على حَشيشتك (١) أن آكُل معك منها، فخَجِل منه كعبٌ، ففتح له.

فقال له حييٌّ: جئتُك بعِزِّ الدهر، جئتك بقريشٍ حتى بجمع الأسيال، وبغطفان حتى أنزلتهم بجانبِ "أُحُد"، قد عاهدوني وعاقدوني أنْ لا يَبْرَحوا حتى يستأصِلوا محمدًا ومَن معه، فقال له كعبٌ: جئتَني واللَّهِ بذُلِّ الدهر وكلِّ ما يُخْشى، فإني لم أرَ في محمدٍ إلاَّ صدقًا ووفاءً، جئتَني -يا حيي- بجهامٍ قد هَراق ماؤه، فهو يَرْعَدُ وَيبرُق ليس فيه شيء (٢).

ثم أردف كعبٌ قائلاً: ويحَك يا حيي، فدَعني وما أنا عليه، فإني لم أرَ من محمدٍ إلاَّ صدقًا ووفاءٌ، وما زال به حييٌّ وبقومه، يَفْتِلُ في الذِّروةِ والغارب، حتى أجابوه إلى ما طَلب، فوافَقوا على نَقضِ العهد، والغَدْرِ بالمسلمين، والانضمام إلى جيش الأحزاب، ولم يَشُذَّ إلاَّ الزعيمُ القَرَظيُّ -عمرُو بن سُعدَى - وقال: واللَّهِ لا أغدِرُ بمحمدٍ أبداً .. وَبقِيَ على عهدِه،


(١) البُرُّ يطحن غليظًا.
(٢) يعني بذلك كعب أن جيوش الأحزاب على كثرتها؛ ليست إلاَّ كالسحاب العظيم؛ الذي تَصُكُّ رعودُه الآذان، ويَخطِف برقه الأبصار، وليس فيه قطرة ماء.

<<  <  ج: ص:  >  >>