للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبارات وألفاظ، وأما المعاني فهي مشتركةٌ بين الجميع، وكانت الأنبياءُ تأخذ الوحيَ والأنباءَ عن الملائكة إيماءً وإشارات، وذلك بلطافة ذكاءِ نفوسهم وصفاء جوهرها، وكانتْ تعبِّرُ عن تلك المعاني للناس باللسان الذي هو عضوٌ من الجسد لكلِّ أمةٍ بلُغتها وبالألفاظ المعروفة بينها.

واعلم يا أخي أن نفسك مَلَكٌ بالقوَّة، ويمكن أن تصيرَ مَلَكاً بالفعل إن أنت سَلكت مَسلك الأنبياء وأصحابِ النواميس الإلهية، وعَمِلت بوصاياهم المذكورة في كتبهم المفروضةِ في سنن شرائعهم، وإنَّ نفْسَك أيضاً شيطان بالقوة، ويمكن أن تصيرَ يومًا شيطانًا بالفعل إنْ أنت سلكتَ مَسْلَكَ الأشرارِ والكفار (١).

وأيضاً: إن كلَّ إنسانٍ تكونُ نفسُه أصفى جوهراً، وأذكى فهماً كما بيَّنَّا في رسالةِ "كيفية الطريق إلى الله تعالى"، فكانت أخلاقهُ وسجاياهُ لأخلاق الكرامِ أقربَ وأَشبهَ، كما بيَّنَّا في رسالة "الأخلاق"، وكان مذهبُه واعتقادُه باعتقادِ الأنبياء ومذهب الحكماء أشدَّ تحقيقاً، كما بيَّنَّا في رسالة "الناموس"، وكانت أعمالُه وسيرتُه بأفعال الملائكة وسيرتها أشدَّ تشبُّهاً، كما بينَّا في رسائل "إخوان الصفاء" .. فأقول: إن قَبول نفسِه إلهامَ الملائكة والوحيَ والأنبياءَ أَمكنُ.

والدليل على صحَّةِ ما قلنا وصايا الأنبياءِ والحكماءِ بهذا الأمر، وذلك أن موسى - عليه السلام - أوصى أولادَ هارون أن يَلزمَوا -بعد قيامهم بشريعة التوراة- خِدمةَ الهيكل المسمَّى "الزمان"، ويتعبَّدوا فيها، ويتركوا لذَّاتِ نعيم الدنيا


(١) "رسائل إخوان الصفاء" (٤/ ١٢٠، ١٢١، ١٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>