للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجل- ذلك في القرآن في قوله: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: ١ - ٢]؟! فقول النظَّام بأن انشقاقَ القمرِ لم يكن أصلاً، شرٌّ من قول المشركين الذين قالوا لما رأوا انشقاقه: "إن ذلك واقع بسِحر"، ومنكِرُ وجودِ المعجزة شرٌّ ممن تأولهَا على غيرِ وجهها.

وأما إنكارُه رؤيَةَ الجن أصلاً، فيلزمه أن لا يَرى بعضُ الجن بعضًا، وإن أجاز رؤيتَهم، فما الذي أوجب تكذيبَ ابنِ مسعود في دعواه رؤيتَهم؟.

ثم إن النظَّام -مع ما حكيناه من ضلالاته- كان أفْسَقَ خلقِ الله -عز وجل-، وأجْرَأَهم على الذنوب العِظام، وعلى إدْمانِ شرب المُسكِر، وقد ذكر عبدُ الله بن مُسْلم بن قتيبة - رحمه الله - في كتاب "مختلف الحديث" أن النظَّام كان يغدو على مُسكر، ويروحُ على مسكر، وأنشد قوله في الخمر:

ما زلتُ آخُذُ رُوحَ الزقِّ في لُطفٍ … وأسْتَبِيحُ دَمًا مِنْ غَيْرِ مَذْبُوحِ

حَتَّى انْتَشَيْتُ وَلِي رُوحَانِ في بَدَنٍ … وَالزِّق مُطَّرحٌ جِسْم بِلَا رُوحِ

ومَثَلُه في طعنِه على أخيارِ الصحابة -معِ بدعتِه في أقواله وضلالته في أفعاله-، كما قيل في الأمثال السائرة: "إن منْ كان في دينه ذَميمًا، وفي أصله لئيمًا، لم يترك لنفسه عارًا يُتَّهمُ به إلاَّ نَحَلَه كريمًا، واستباح به حريمًا"، وهل يَضُرُّ السحابَ نُبَاحُ الكلاب؟ وكما لا يضرُّ السحابَ نباحُ الكلاب، كذلك لا يضر الأبرارَ ذمُّ الأشرار، وما مَثَله في طعنه على أخيار الصحابة -مع بدعته وضلالته- إلاَّ كما قال حسان بن ثابت:

مَا أُبالِي أنَبَّ بِالحزنِ تَيْسٌ … أمْ لحَانِي بِظَهْرِ غَيْبٍ لَئِيمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>