للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشياطين، وهؤلاء الجهَّالُ لم يعرفوا ذلك، ولهذا كان من أصلِهم أن النبوة مُكتسَبةٌ، وكان السُّهْرَوَرديُّ المقتولُ يطلبُ أن يكون نبيًّا، وكذلك ابنُ سبعين وغيره، والنبوةُ الحقُّ هي أنباءُ الله لعبدِه، ونبيُّ الله مَن كان اللهُ هو الذي ينبِّئه، ووَحْيه من الله، وهؤلاء وحيُهم منَ الشياطين، فهم من جنسِ المتنبئين الكذَّابين كمسيلِمةَ الكذَّاب وأمثاله، بك أولئك أحذقُ منهم، فإنهم كانت تأتيهم أرواحٌ فتكلِّمُهم وتُخبرُهم بأمورٍ غائبةٍ، وهي موجودة في الخارج -لا في أنفسهم-، وهؤلاء لا يعرِفون مثلَ هذا، ووجودُ الجن والشياطين في الخارج وسماعُ كلامهم أكثرُ من أن يمكنَ سَطرُ عُشرِه هنا، وكذلك صَرعُهم للإِنس وتَكلُّمُهم على ألسنتِهم.

والفَرقُ بين النبي والساحر أعظم من الفرقِ بين الليل والنهار، والنبي يأتيه مَلَكٌ كريم من عند الله يُنبئه الله، والساحرُ والكاهن إنما معه شيطانٌ يأمرُه ويُخبرُه، قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} [الشعراء: ٢٢١ - ٢٢٣].

فلا الخبرُ كالخبر، ولا الأمر كالأمر، ولا مُخبِرُ هذا كمُخبِرِ هذا، ولا آمِرُ هذا كآمِرِ هذا، كما أنه ليس هذا مثلَ هذا، ولهذا قال تعالى لَمَّا ذكر الذي جاء بالقرآن إلي محمد، وأنه ملَكٌ منفصِلٌ ليس خيالاً في نفسه -كما يقوله هؤلاء-: قال تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٢٢) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (٢٤) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (٢٥) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [التكوير: ١٩ - ٢٧].

<<  <  ج: ص:  >  >>