للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يلزمُ منه نَفيَ الوحي؛ لأنه قد يَنزلُ الوحيُ فيُكسِبُ صاحبَه صفةَ النبوة، ولا يُكسِبُه صفةَ الرسالة، وذلك إذا لم يطالَبْ بالتبليغ، وابنُ عربي يفهمُ ذلك وُيدرِكُه حقَّ الإدراك، فلو التزم باللفظ القرآني لَقَطع على نفسِه منزلة الولاية كما يتصوَّرها هو، والتي يتلقَّى صاحبُها الوحيَ من الله سبحانه.

(٢) قوله: "وختم بشرعه جميع الشرائع"، وهذه كذلك لازمةٌ للخَتم الذي انقطع به الوحي، فكأنه يُكثِّرُ العباراتِ للدلالة على إيمانه بالختم -كما يريده هو-، لأنه لا يدَّعي هو نزولَ شرعٍ جديد.

(٣) قوله: "فلا رسول بعده يُشرِّع"، وهذا تأكيدٌ ثالثٌ لصورةِ تلك العقيدة التي يؤمن بها، فيكررُ نفيَ الرسالة مرةً أخرى، ثم يؤكد بصفةٍ أخرى يُغني عنها لفظُ الرسول؛ لأن الرسول لا يكونُ إلا مشرِّعًا، ولكنْ لعله يريدُ أن يدَّعي الرسالةَ التي لا شَرعَ معها -كذلك-، فيُمهِّدُ بهذا القَيد.

° فقد قال في "الفتوحات": "اعلم -وفقنا الله وإياك- أنه من كرامةِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - على ربه أنْ جَعَل مِن أُمته رُسلاً، ثم إنه اختص من الرسل مَن بَعُدت نسبتُه من البشر، فكان نصفه بشرًا، ونصفُه الآخرُ رُوحًا مطهَرةً مَلَكًا؛ لأن جبريلَ وَهَبه لمريمَ بشرًا سويًّا .. " (١) إلخ قوله ذلك الذي بدأه بإثباتِ الرسل بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

فهذه هي عقيدتُه، لم يَنْف نزولَ الوحي، بل كل عبارةٍ فيها تُمهدُ لِمَا سيدَّعيه من الاتصال بخبر السماء.

وبعد هذه المقدمة لعقيدته في "ختم النبوة"، نعرضُ طريقتَه في فهم


(١) "الفتوحات المكية" (٤/ ٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>