للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* السُّهْرَوَرْدي المقتول:

شهابُ الدين السُّهروردي -يحيى بن حبِش بن أميرك-، ولد بين سَنَتي ٥٤٥ - ٥٥٠ هـ، وَصَل إلى حَلَب بعد أن طَوَّفَ بعددٍ من مُدنِ إيرانَ والعراق، وبعد أن دَرَسَ فلسفةَ التصوُّفِ الإشراقية في علومِ الأوائل ولدى حُكماءِ الفرسِ قبل الإِسلام، وهي ما يُعرَف بـ "الأفلاطونية الحديثة" (فلسفة أفلوطين ومن تابعه).

كان السُّهْرَوَرْديُّ يقول بمذهبِ "الإِشراق"، أي أن ظاهرةَ إشعاعِ النور الأصيلِ هي الظاهرةُ المولِّدةُ الأصليَّةُ للوجودِ والكشفِ عن الوجود .. وفكرةُ "الإشراقِ" تقومُ في صميم الحكمةِ الأفلاطونية الحديثة واللاهوتِ المنبثقِ عنها .. والذي يَختلطُ فيه الفِكرُ الهِلينستي بالزرادشتيَّة، ويدخلُ عن هذا الطريقِ إلى الفِكر الإسلامي.

وللسُّهْرَوَرْديِّ كتبٌ ورسائلُ كثيرةٌ في صورةِ أمثالٍ ورموزٍ، وهي منظوماتٌ فكريَّةٌ تدخلُ في بابٍ "الميتافيزيقا الروحية"، على أنه في شطحاتِه الفِكريةِ كان يلامسُ -أو يخترقُ- حدودَ الإيمان.

من ذلك: أنَّ الذي يقرأ القرآنَ لا يكونُ "هو" الذي يقرؤه؛ ولكنَّ اللَّهَ هو الذي يتلُوه من خلاله، فعلى المؤمنِ الذي مُنحَ -مؤقَّتًا- حقَّ قراءتِه ألاَّ يَنسِبَ القراءةَ إلى نفسِه، وألاَّ يُعمِيَه "أناه" الخاص، وألاَّ يَضَعَ نفسَه موضعَ "هو".

وقوله: "إنَّ التوحيدَ لا يقصَدُ به ما انتَشَر عن إدراكِ اللَّهِ بالوحدانيةِ الذاتية والقيُّوميَّةِ، وإنما يَعني بتجريد الكلمة "أي: النفس" عن علائقِ الأجسام في المكانِ حتى يَنطويَ في الربوبيَّةِ القيُّوميةِ كلُّ نظرٍ في مبادئِ الوجود ومراتبِه، ولا مقامَ فوقَ هذا المقام".

<<  <  ج: ص:  >  >>