للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أدلّة القائلين بالمؤاخذة

قبل أن نذكر أدلتهم نقول: إن مرادنا بالإرادة الجازمة ما نسمّيه القصد والنية، والعزم.

والإرادة الجازمة هي التي يجب وقوع الفعل معها إذا كانت القدرة حاصلة، فإنه متى وجدت الإرادة الجازمة مع القدرة التامة وجب وجود الفعل، لكمال وجود المقتضى السالم عن المعارض المقاوم.

ومتى وجدت الإرادة والقدرة التامة، ولم يقع الفعل لم تكن الإرادة جازمة. وبعض النّاس قدروا إرادة جازمة للفعل لا يقترن بها شيء من الفعل، وهذا لا يكون. وإنَّما يكون في العزم على أن يفعل، فقد يعزم على الفعل في المستقبل من لا يفعل منه شيئًا في الحال، والعزم على أن يفعل في المستقبل لا يكفي في وجود الفعل، بل لا بد عند وجوده من حدوث تمام الِإرادة المستلزمة للفعل، وهذه هي الإِرادة الجازمة.

وقد استدل القائلون بالمؤاخذة على القصد الجازم الذي لا فعل معه بأدلَّة كثيرة تدل على أنه بمنزلة الفاعل التامّ في الإثابة والعقوبة، ومن هذه الأدلّة:

١ - قوله تعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (١٧) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (١٨) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} (١).

قال القرطبي: "استدلّ بهذه الآية على أنَّ العزم مما يؤاخذ به الإنسان، لأنهم عزموا على أن يفعلوا فعوقبوا قبل فعلهم" (٢) (٣).


(١) سورة القلم (١٧ - ٢٠).
(٢) تفسير القرطبي (١٨/ ٢٤١).
(٣) وعندى فى الاحتجاج بهذه الآية نظر، لأن هؤلاء تكلموا بما عزمرا على فعله {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (١٧) وَلَا يَسْتَثْنُونَ}، (سورة القلم: ١٧) والذي فيه البحث هو الهم الذي لا كلام ولا فعل معه، فأما العزم الذي حصل معه كلام كفعل هؤلاء فلا يدخل في دائرة البحث.

<<  <   >  >>