للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال منازعوهم: لا؛ لأنَّ الحديث منسوخ، فلا يصحّ الاستدلال به. إلاّ أن الأحناف قالوا: لا يلزم من كون الحديث منسوخا أن تنسخ كلَّ الأحكام التي تتعلق به، فالحديث دل على شيئين: أحدهما: وجوب صوم عاشوراء، والثاني: أنَّ الصوم الواجب في يوم بعينه يصحُّ بنية من نهار، والمنسوخ الأول: ولا يلزم من نسخه نسخ الثاني (١).

ومع ذلك فإنني أرى أنَّ الحديث لا تقوم به حجة، لأن المتنازع فيه في صوم الفرض المقدور هل يجوز أن ينويه من النهار بلا عذر؟ أما الذي دلَّ عليه الحديث فهو صحة صوم من لم يعلم وجوب الصوم عليه من الليل، كالذي لم يبلغه أن اليوم أول رمضان إلاّ بعد أن أصبح، وقد احتج ابن حزم بالحديث على صحة صوم من لم يعلم وجوب الصوم إلا بعد طلوع الفجر كما سيأتي.

وقد أجاب النووي بجواب آخر حيث يقول: "وعلى فرض وجوبه فكان في ابتداء فرض عليهم من حين بلغهم، ولم يخاطبوا بما قبله، كأهل قباء في استقبال الكعبة، فإن استقبالها بلغهم في أثناء الصلاة، فاستداروا وهم فيها من استقبال بيت المقدس إلى استقبال الكعبة، وأجزأتهم صلاتهم حيث لم يبلغهم الحكم إلاّ حينئذ، وإن كان الحكم باستقبال القبلة قد سبق في حق غيرهم قبل هذا" (٢).

٢ - استدل صاحب الهداية من الأحناف بقوله -صلى الله عليه وسلم- بعدما شهد الأعرابي برؤية الهلال: "إلاّ من أكل فلا يأكل بقية يومه، ومن لم يأكل فليصم" (٣).

وقد اختلط على المؤلف حديث الأعرابي هذا بحديث سلمة بن الأكوع (٤) في صوم عاشوراء، إذ هذا اللفظ الذي ذكره صاحب الهداية لم يذكر في حديث


(١) حاشية السندي على النسائي (٤/ ١٩٣).
(٢) المجموع (٦/ ٣٣٧).
(٣) الهداية (٢/ ٤٣).
(٤) سلمة بن عمرو بن سنان الأكوع صحابي، كان شجاعا راميا عداء، يسبق الخيل، من الذين بايعوا تحت الشجرة، له في الصحيحين (٧٧) حديثا، توفي بالمدينة سنة (٤٧ هـ).
راجع: (تهذيب التهذيب ٤/ ١٥٠)، (خلاصة تذهيب الكمال (١/ ٤٠٤)، (الكاشف ١/ ٣٨٥).

<<  <   >  >>