للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والقصد إلى رفع الحدث الذي هو السبب محال، لاستحالة رفع الواقع فيتعين أن يكون المنوي هو رفع المنع، وإذا ارتفع المنع تثبت الِإباحة.

ولذلك نصَّ جماهير الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة والأحناف على أن من غلط في تحديد سبب الحدث فلا يضرّه ذلك، لأن التحديد غير مراد (١).

[النية للتيمم]

يرى جماهير العلماء أنَّ التيمم لا يرفع الحدث، وقد استدلُّوا على ذلك بالحديث الذي يوجب على المتيمم الوضوء إذا وجد الماء: "الصعيد الطيب وضوء المسلم، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته" (٢). وبناء على هذا القول فلا يجزىء عن المتيمم أن ينوي رفع الحدث، والواجب على قول هؤلاء أن ينوي استباحة الصلاة، أو استباحة ما لا يباح إلاّ بالطهارة.

وذهب داود الظاهري وأبو حنيفة وبعض المالكية إلى أنَّ التيمم يرفع الحدث، واستدلوا بأنَّ الله -تعالى- جعل التيمم بدلا عن الماء فحكمه حكمه، وبأنَّه -صلى الله عليه وسلم- سماه طهورا، وسماه وضوءا. والحقُّ أن التيمم يقوم مقام الماء، ويرفع الجنابة رفعا مؤقتا إلى حال وجدان الماء، أما أنّه يقوم مقام الماء فلأنَّ الله -تعالى- جعله عوضا عنه عند عدمه، والأصل أنه قائم مقامه في جميع أحكامه، فلا يخرج عن ذلك إلاّ بدليل، وأما أنّه إذا وجد الماء اغتسل فلقوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا وجد الماء، فليتق الله، وليمسَّه بشرته"، فإنَّ الأظهر أنه أمر بإمساسه الماء لسبب قد تقدم على وجدان الماء إذ إمساسه لما يأتي من أسباب وجوب الغسل أو الوضوء معلوم من الكتاب والسنة، والتأسيس خير من التأكيد.


(١) المغني (١/ ٢٦٧ - ٢٦٨)، التوضيح (ص ١٩)، الإنصاف (١/ ١٤٩)، المجموع (١/ ٣٨٥)، بدائع الصنائع (١/ ٥٢)، الذخيرة (١/ ٢٦٧ - ٢٦٨)، (١/ ٢٤٧).
(٢) أحمد والنسائي وأبو داود وابن ماجه والترمذي، وصححه الترمذي، (نيل الأوطار ١/ ٢٨٩).

<<  <   >  >>