للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: من الردود جنح فيه إلى مناقشة أصل المسألة، وبيان استحالة تطبيقها والعمل بها.

والمراد بالاستحضار التفصيلي كما صرَّح به أرباب الحواشي المتأخرون: هو أن يستحضر أركان الصلاة ركنا ركنا، حتى يكون المقصود معلوما بأجزائه، ومن جملة أجزائه ركنا القراءة والتشهد، وأجزاؤهما ألفاظ مخصوصة بترتيب خاص، واستحضار الألفاظ المخصوصة المذكورة في الذهن دفعة واحدة أو دفعات متعذر مستحيل أن يقوم به شخص بحيث يكون حاضرا في ذهنه في آن واحد، أو في آنات النطق بالتكبير مهما مدَّها.

وقد شبه بعضهم هذا الاستحضار الذهني لأركان الصلاة في لحظة واحدة بعروس تزف، وهذا تشبيه بعيد، إذ العروس متصفة بصفات متعددة قائمة بها يتحقق وجودها خارجا في لحظة واحدة، أما أركان الصلاة فبعضها تلو بعض، وبعضها ضدّ بعض، فالقيام بعده ركوع، والاعتدال إبطاله، والسجود غيره، ولا يوجد قيام وركوع ورفع منه وسجود في لحظة واحدة، ولا يمكن استحضار هذه الأمور المتضادة إلا مع التعاقب.

ومما يجعل الاستحضار التفصيلي في حكم المستحيل أن وقت النية عند الشافعية هو التكبير للصلاة ولا يجوز تقدمها، ولا تأخرها عنه، فكيف يمكن أن يستحضر المصلي ما ذكروه في لحظات التكبير.

وقد قرّر ابن حجر في فتاويه أن استحضار القصد والتعيين ونية الفرضية مع مقارنتها لكل حرف من حروف التكبير عسيرة جدا إلاّ على من صفا قلبه، ونار سره، وبين أن الشافعي -رحمه الله- كان يستحضر تلك الثلاث ويقرنها بكل جزء من أجزاء التكبير، وأنَّ ذلك غير ميسور لمن بعده، واستنتج أن رتبة الشافعي ومقامه عظيمان بمجرد استحضار الثلاثة وقرنها بالتكبير. فإذا كان استحضار ثلاثة أمور -كما يرى ابن حجر- في غاية الصعوبة، فكيف يكون استحضار ثلاثة عشر ركنًا، يضاف إليها الثلاثة التي ذكرها ابن حجر، فيكون المطلوب استحضاره ستة عشر أمرا؟!

<<  <   >  >>