للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يجزى به في الدنيا، كما في الحديث عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنّ الله لا يظلم مؤمنا حسنة، يعطى بها في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات قام بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها" (١).

وتبقى الأعمال الصالحة التي صدرت من العبد حال كفره، ثم أسلم، هل يثاب عليها؟

لقد أغنانا حكيم بن حزام (٢) -رضي الله عنه- عن عَنَاء البحث في هذا الموضوع، فقد سأل الرسول -صلى الله عليه وسلم- قائلا: أي رسول الله، أرأيت أمورا كنت أتحنَّثُ بها في الجاهلية من صدقة، أو عتاقة، أو صلة رحم، أفيها أجر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسلمت على ما أسلفت من خير" (٣).

وقد يقال كيف يصحُّ العمل الصالح من العبد حال كفره، وأنتم تقررون أنَّ النية لا تصح إلا من مسلم؟ فالجواب: أنَّ قبول الأعمال الصالحة التي صدرت من المسلم حال كفره من باب تفضل الله على عباده، وفيه دلالة على عظيم رحمته -سبحانه وتعالى- ألا ترى أنَّ الله يبدّل سيئات الكافر إذا أسلم وحسن إسلامه حسنات، كما قال تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (٤)، هذا كرمه -سبحانه- بالنسبة لسيئات المسلم حال كفره، فكيف يكون الحال بالنسبة للأعمال الصالحة التي كانت منه حال كفره؟!


(١) رواه مسلم في صحيحه انظر (النووي على مسلم ١٧/ ١٤٩)، وأحمد في (مسنده ٣/ ١٢٣،٢٨٣).
(٢) هو حكيم بن حزام بن خويلد، ابن أخي خديجة أم المؤمنين، وصديق الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وبعدها.
راجع: (تهذيب التهذيب ٢/ ٤٤٧)، (خلاصة تذهيب أم المؤمنين ١/ ٢٤٨)، (الكاشف ١/ ٢٤٨).
(٣) رواه مسلم (انظر شرح النووي ٢/ ١٤٠)، وأحمد في مسنده: (٣/ ٤٠٢).
(٤) سورة الفرقان / ٧٠.

<<  <   >  >>