للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الغريب أن يحكي القرافي أن رفض الصلاة والصوم يؤثر ولو بعد الكمال، ويقول هذا هو المشهور عندهم، إلا أنه استشكل هذا بأنه يقتضي إبطال جميع الأعمال.

ولعلَّ القول الفصل في هذه المسألة ما قاله ابن رشد: "من ادعى أن التكليف يرجع بعد سقوطه لأجل الرفض فعليه الدليل".

[رفض نية العبادة في أثنائها]

إذا رفض العابد العبادة في أثنائها فما الحكم؟ اختلفت وجهات نظر العلماء في ذلك.

يرى داود الظاهري وابن حزم (١) بطلان أي عبادة إذا رفضت النية في أثنائها، لأنَّ النيَّة شرط فى العبادات كلّها، وإذا فقد الشرط فقد المشروط، وحجتهم الحديث: "إنما الأعمال بالنيات" وذهب جماهير العلماء -ومنهم مالك والشافعي وأحمد - إلى القول بذلك: أي ببطلان العبادة إذا رفضت النيّة في الصلاة، وخالفهم في هذا أبو حنيفة فقال بعدم البطلان (٢).

ولكن جماهير العلماء عكسوا القضية في الحج والعمرة، فقد ذهبوا إلى أن هاتين العبادتين لا تبطلان برفض النية، يقول الحطاب مبينا هذه المسألة: "الإحرام سواء كان بحج وعمرة أو بهما أو بإطلاق لا يرتفض، ولو رفضه في أثنائه، ولم أر في هذا خلافا، وهو مذهب الكافة، وهو مذهب مالك والأئمة، وخالف داود الظاهري، فقال: يرفض إحرامه" (٣).

وقد اختلفت تعليلات العلماء للفرق الذي اقتضى تصحيح الحج والعمرة حال رفض نيتهما، وإبطال الصلاة في الحال نفسه:


(١) المحلى (٦/ ١٧٤)، الحطاب على خليل (١/ ٢٤٠)، وهو مذهب بعض المالكية وكثير من الأحناف.
(٢) المجموع (٣/ ٢٥٠).
(٣) الحطاب (١/ ٢٤٠).

<<  <   >  >>