للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتجويز الأحناف الجمع بين العبادتين في هذه الصور لأنهم عدوها من قبيل الوسائل لا المقاصد هذا في الطهارة والتيمم، أمّا في حصول تحية المسجد والفريضة فلأن تحيّة المسجد تحصل وإن لم يقصدها (١).

أما ما صحَّحوه من تجويز عبادتين بنيّة واحدة فالذي يظهر لي فيه أنَّ الشارع قد اعتبر فيه هذين الأمرين المقصودين ولو لم يقصدهما الفاعل، فالذي يتصدّق على ذوي رحمه ينال أجرين: أجر الصدقة، وأجر صلة الرحم، فإذا قصد هذا الشيء الذي أقرّه الشارع لم يكن مخالفا، بل موافقا ومصيبا.

وإذا صادف أن جاء العيد في يوم جمعة أغنت صلاة العيد عن صلاة الجمعة، لأنَّ الشارع شرع الأمر كذلك.

والذي يحج مازجا العمرة بالحجّ (قارنا) صحّ حجّه وعمرته، لأن الشارع قرَّر هذا، ومن قال: إن الصائم في يوم عرفة قضاء ينال ثواب صيام عرفة ويجزىء عنه في القضاء، ومن قال: من طاف بنيّة الفرض والوداع أجزأه عنهما، إنما قصدا أن هذه وأشباهها مرادة للشارع، وإن لم يقصدها العبد، فقصده لها لا يضيره.

أمّا قصد عبادتين بفعل واحد عدا ما ذكرنا فإنه قد يكون مبطلا للعبادة، ولا يحصل شيء مما قصده، كمن نوى صلاة الظهر والعصر بصلاته.

وابن حزم يرى بطلان كلّ عبادة قصد بها تحقيق قربتين سواء أكانت العبادة صلاة أم صوما أم زكاة، ولم يستثن من ذلك إلاّ من مزج قصد العمرة بالحجّ في حالة إحرامه بهما والهدي معه، لأنَّ هذا هو الحكم الذي شرعه الله في هذه الحالة (٢).

وغالبية العلماء يرون أن من قصد أكثر من عبادة بالفعل الواحد تحصل واحدة منهما، ولا تبطل كلها.


(١) الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص ٤٠).
(٢) المحلى (٦/ ١٧٤).

<<  <   >  >>