للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[النظر في هذه الأدلة]

هذه النصوص التي ساقوها لا تنهض للاستدلال على جواز إهداء الثواب إلى الميت في كل العبادات، بل إن بعضها ليس من باب الإهداء:

أ- فالنصوص الدالّة على مشروعية الدعاء للأحياء والأموات لا مدخل لها في هذا الباب، فليست هي من إهداء الثواب، بل هي من باب شفاعة المسلم لغيره، يقول العزُّ بن عبد السلام: "الدعاء شفاعة جائزة من الأقارب والأجانب، وليست مستثناة من هذه -يقصد النصوص المانعة من وصول عمل المرء لغيره- لأن ثواب الدعاء للداعي، والمدعو به حاصل للمدعو له، فإنْ طلب له المغفرة والرحمة كانت المغفرة والرحمة مخصوصين بالمدعو له، وثواب الدعاء للداعي، ونظَّر ذلك بما لو شفع إنسان لفقير في كسوة أو في العفو عن زلة، كانت للشافع ثواب الشفاعة في العفو والكسوة، وكانت مصلحة العفو والكسوة للفقير" (١).

ب- وأيضا النصوص الدالة على انتفاع المرء بأعماله الصالحة التي استمر وجودها وانتفاع الناس بها من بعده -لا تصلح للاحتجاج بها على هبة الثواب، لأنها من سعي الإنسان وعمله أو هي آثار عمله، يقول ابن كثير بعد أن ساق حديث "إذا مات الإِنسان انقطع عمله إلاّ من ثلاث: من ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية من بعده، أو علم ينتفع به" (٢) يقول: "فهذه الثلاث في الحقيقة هي من سعيه وكده وعمله، كما جاء في الحديث: "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه" (٣). والصدقة الجارية كالوقف ونحوه هي من آثار عمله ووقفه، وقد قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} (٤) الآية.

والعلم الذي نشره في الناس فاقتدى به الناس بعده هو أيضا من سعيه وعمله،


(١) قواعد الأحكام (١/ ١٣٥).
(٢) سبق تخريجه.
(٣) سبق تخريجه.
(٤) سورة يس /١٢.

<<  <   >  >>