للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مذهبهم، ويبدو أنَّ الذي ألجأهم إلى القول بذلك ما قام في نفوسهم من وجوب اقتران النيَّة بالعمل، وهو مذهب بعض العلماء في الصلاة والزكاة والحج ... ، فلما تقرَّر ذلك عندهم مذهبا وطريقا عمموا ذلك، وقالوا: لا بدَّ للنيّة -في اصطلاح الشرع- من أن تقترن بالفعل وإلا لم تكن نيَّة. وسيأتي تحقيق القول في هذه المسألة، وحسبنا أن نعلم هنا أن ما قرروه ليس أمرا اتفاقيا بل مختلف فيه.

الثاني: أنَّ النيَّة في اللغة شاملة لقصد الفعل ابتغاء وجه الله، أو لمنفعة دنيوية وعرض زائل، فخصصها الشارع بالتوجه نحو الفعل ابتغاء مرضاة الله، وهذا يشعر به كلام القاضي البيضاوي ومن تابعه.

وما ذهبوا إليه هنا يحتاج إلى نظر وتأمل، فالنية كما قرروا فعل من أفعال القلوب، وأفعال القلوب كأفعال الجوارح لم ينقل الشارع مسمّاها عن الاسم اللغوي إذا قصد بها وجه الله تعالى. لم ينقل الشارع حركة البدن بالسجود لله عن مسمّاها بالسجود للصنم، بل الكلّ سجود.

ولم ينقل حركته بالطواف لله عن مسمّاه بالطواف للصنم، بل الكلّ باق على مسماه اللغوي.

كل ما يمكن أن نقوله: السجود والطواف لله مأمور بهما، والسجود لغير الله والطواف بصنم منهيّ عنهما، وكذلك بالنسبة للنية التي هي حركة القلب وانبعاثه فإنها باقية على مسمّاها اللغوي لم ينقلها الشرع ولا خصصها، بل بين أن ما كان منها لله فهي المطلوبة المحبوبة، وما كان منها رياء وسمعة فهي مكروهة ممقوتة، وقد تنبَّه إلى هذا الصنعاني (١) ورجحه (٢). ومما يؤيد هذا القول أن الذين قالوا بأنَّ


(١) هو محمد بن إسماعيل بن صلاح الصنعاني المعروف بالأمير، محدث فقيه أصولي متكلم من أئمة اليمن، له (سبل السلام شرح بلوغ المرام)، (والعدة) حاشية علي (إحكام الأحكام لابن دقيق العيد)، ولد عام (١٠٩٩ هـ)، وتوفي عام ١١٨٢ هـ.
(معجم المؤلفين ٩/ ٥٦)، (الأعلام ٦/ ٢٦٣).
(٢) العدة علي إحكام الأحكام (١/ ٥٧).

<<  <   >  >>