للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالثا: لم يأخذ الأحناف بحديث "إنَّما الأعمال بالنيات" بحجة أن الحديث يصبح ناسخا للآية في حال قبول الاحتجاج به، لأنّه يفيد حكما جديدا لم يرد في الآية، والزيادة على النصّ عندهم نسخ ... الخ.

نقول في الجواب: لا نسلّم أنَّ الحديث تضمّن حكما لم تأت الآيات الآمرة بالوضوء والغسل به، وقد تبين لنا مما مضى أن الآيات تدل على النيّة.

وإذا سلمنا لهم أن ما تضمنه الحديث فيه زيادة على ما نصّت الآيات عليه، فلا نسلم لهم أن الزيادة على النصّ نسخ، فمذهب الشافعية والمالكية والحنابلة أنَّ الزيادة على النصّ ليست نسخا، لأنَّ حقيقة النسخ لم توجد في الزيادة، ولأن حقيقة النسخ تبديل، ورفع لحكم الخطاب، والزيادة تقرير للحكم المشروع، وضمّ شيء آخر إليه.

قال ابن قدامة: "ولنا أنّ النسخ هو رفع حكم الخطاب، وحكم الخطاب بالحدّ وجوبه وإجزاؤه عن نفسه، وهو باق وإنَّما انضمّ إليه الأمر بشيء آخر فوجب الإتيان به؛ فأشبه الأمر بالصيام بعد الصلاة، فأمّا صفة الكمال فليس هو حكما مقصودا شرعيا، بل المقصود الوجوب والإجزاء، وهما باقيان، ولهذا لو أوجب الشرع الصلاة فقط كانت كليّة ما أوجه الله وكماله، فإذا أوجب الصيام خرجت الصلاة عن كونها كلّ الواجب، وليس بنسخ اتفاقا، وأما الاقتصار عليه فليس مستفادا من منطوق اللفظ لأن وجوب الحدّ لا ينفي غيره، وإنما يستفاد من المفهوم، ولا يقولون به" (١).

رابعا: إذا سلّم المخالف لهم بأنَّ الزيادة على النصّ تعد نسخا فإنه لا ينبغي أن يسلم لهم أن الدليل الذي دلّ على اشتراط النيّة حديث فرد، بل هو حديث متواتر تواترا معنويا، وسنبين حقيقة التواتر المعنوي (٢) وقوته في الاحتجاج، وأنه لا يقل


(١) روضة الناظر (ص ٤١). ومراده بالحدّ حدّ القذف لأن كلامه فيه.
(٢) انظر ملحق الكتاب، ص ٥٢٩.

<<  <   >  >>