للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد طال تطلابه للملك، حتى قضى نحبه في طلبه:

بَكَى صَاحِبِي لَمَّا رَأَى الدَّرْبَ دُونَهُ ... وَأَيْقَنَ أَنَّا لَاحِقَانِ بِقيْصَرَا

فَقُلْتُ لَهُ لَا تَبْكِ عَيْنُكَ إنما ... نُحَاوِلُ مُلْكًَا أَوْ نَمْوتَ فَنُعْذَرَا

لقد ضيّع حياته أولا في المتع والشهوات، وقضى شطر عمره الثاني في طلب الملك الضائع، وانتهت حياته، ولم يحصّل مطلوبه، ومات كما مات المتنبي (١) من بعده، طلبا الملك والِإمارة، فأعياهما الطلب.

أما همة المسلم فلا تقف إلاّ أن تصل إلى الغاية التي لا غاية وراءها، والمطلوب الذي لا مطلوب بعده. قيل لأحد الصالحين: فلان بعيد الهمّة، قال: إذن لا يرضى بما دون الجنة، وفي عيون الأخبار أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، جاءه دكين الراجز، فقال له عمر: يا دكين، إنَّ لي نفسًا توّاقة، لم تزل تتوق إلى الإمارة، فلمّا نلتها تاقت إلى الخلافة، فلمّا نلتها تاقت إلى الجنة (٢).

٢ - هو المستحقُّ لأن يقصد ويعبد:

والله وحده المستحقّ لأن يقصد دون سواه، لأنّه المعبود الذي يتصف بصفات الجلال والكمال، فهو الكامل في ذاته وصفاته، وهو المنعم المتفضل بيده النفع والضر، والخفض والرفع، والعطاء والمنع والنصر والخذلان، والعزُّ والإذلال: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (٣).


(١) هو أحمد بن الحسين الجعفي الكوفي الشاعر الحكيم، قال الشعر صبيا ومدح به الحكام، وسعى إلى الإمارة فلم يحصل شيئًا، مات قتيلاً في الطريق إلى بغداد، حياته (٣٠٣ - ٣٥٤ هـ).
راجع: (وفيات الأعيان ١/ ١٢٠)، (لسان الميزان ١/ ١٥٩)، و (الأعلام ١/ ١١٠) ..
(٢) عيون الأخبار (١/ ٢٣١).
(٣) سورة آل عمران / ٢٦ - ٢٧.

<<  <   >  >>