للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صفته {وجَعَلَ مِنْهُم الْقِرَدَةَ والْخنازِيرَ وَعبدَ الطَّاغوتَ} (١)، فمما ابتلاهم به جزاء تكذيبهم أن جعلهم عبيدا للطواغيت بعد أن كانوا عبيدا لله.

وفي هذه الأيام تتردّد كلمة الحرية، ويزعمون أنَّ الثورة الفرنسية أعلنت هذا المبدأ، وأن هيئة الأمم المتحدة أقرت الحرية مبدأ، وليس الأمر كذلك، فإنَّ ما فعله هؤلاء أنَّهم أخرجوا الناس من عبودية نظام وقانون وطائفة، إلى عبودية نظام آخر، وقانون آخر، وطائفة أخرى، ولكن هؤلاء جميعا بَقَوْا عبيدا، وإن ظَنّوا أنفسهم أحرارا، ولن يحررهم من سلطان البشر ويخلصهم من العبودية الظالمة إلاّ أن يكونوا عبيدا لله، يقصدونه وحده، وعند ذلك يتحررون من سلطان الآخرين، حتى من هوى النفوس التي تتردّد في أجسادهم.

وأكثر الناس بعدا عن العبودية لله هم أكثر الناس عبودية لغير الله، فهؤلاء الشيوعيون أعظم الناس تمردا على الله وبعدا عنه، يستكبرون حتى عن التصديق بوجوده، وهم أعظم الناس عبودية لغير الله، فالفئة الحاكمة في روسيا والصين تسيطر على رقاب الناس سيطرة كبيرة، فلا يكادون يجدون طعم الحياة.

والحريّة هناك وهم كبير، وسراب خادع، أراد الشيوعيون أن يتحرروا من سلطان الله، فأقاموا الدولة إليها تصادر حرية الأفراد، وتمنعهم من إبداء الرأي، وتتحكم في ممتلكاتهم، وتسوق الملايين إلى المعتقلات في صحراء سيبيريا، وإلى السجون التي غصَّت بالنزلاء على سعتها وكثرتها، وفي الأعياد يمر عشرات الملايين من البشر مطأطئي الرؤوس أمام جثة مؤسس المذهب المحنطة في الميدان الأحمر في موسكو!! لقد أخرجوا النّاس من ظلمات متراكمة إلى ظلمات أشدّ، وأخرجوهم من عبودية إلى عبودية، ولن يكون من مخلص من العبودية لغير الله إلا هذا الإسلام. ولقد صدق موفد المسلمين وبرَّحين واجه قائد الفرس قائلا: "الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن جور الأديان إلى عدل


(١) سورة المائدة / ٦٠.

<<  <   >  >>