للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طعمها، تدفعه دائمًا إلى تحصيل المشتهى، والأمور المشتهاة تتراءى للإنسان دائمًا، فهي وإن كانت في الخارج إلاّ أنها تتصور للعبد وتقوم في نفسه، وقد تستولي على قلبه كما قال تعالى: {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} (١)، وعند ذلك لا يكون له همّ إلاّ أن يطلب تلك الصورة التي استقرت في نفسه، وسيطرت عليه، وفي سبيل تحصيل ما يهواه ببذل ماله ونفسه. ولقد حمل الهوى أصحابه على الكفر بالله ومعاداة رسله، بل حملهم على قتل الأنبياء والمرسلين: {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ} (٢)، وقال موبخًا لهم في سورة أخرى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} (٣).

وقد حملهم الهوى على أن كفروا بمحمد -صلى الله عليه وسلم- مع أنهم كانوا يتوعدون العرب ببعثته: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (٤)، لقد كانوا يعرفون أن محمدا -صلى الله عليه وسلم- هو النبيّ المنتظر، فلما جاء من غير الطائفة التي يهوونها لم ينقادوا له، ولم يؤمنوا به اتباعا للهوى، وحسدا أن يكون هذا الفضل في غيرهم وأخذوا يعتذرون بالمعاذير الكاذبة: {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا


(١) سورة المؤمنون: ٦٣.
(٢) سورة المائدة: ٧٠.
(٣) سورة البقرة: ٨٧.
(٤) سورة البقرة: ٨٩.

<<  <   >  >>