للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأولى: أن يغلبه الهوى فيملكه ولا يستطيع له خلافا، وهو حال أكثر الخلق، وهو الذي قال الله فيه: {أَرَأَيْتَ منِ اتخَذَ إِلَهه هَوَاهُ} (١)، فمن كان تردّده في جميع أطواره خلف أغراضه البدنية وأوطاره، فقد اتخذ إلهه هواه.

الثانية: أن يكون الحرب بينهم سجالا، تارة لها اليد، وتارة عليها اليد، فهذا الرجل من المجاهدين، فإن اخترمته المنية في هذه الحالة فهو من الشهداء، لأنه مشغول بامتثال كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه الرتبة العليا للخلق سواء الأنبياء والأولياء.

الثالثة: أن يغلب هواه فيصير مستوليا عليه لا يقهره بحال من الأحوال، وهذا هو الملك الكبير، والنعيم الحاضر، والحرية التامة، والخلاص من الرق، ولذلك قال عليه السلام: "ما من أحد إلاّ وله شيطان، وكان الله قد أعانني عليه حتى ملكته" (٢) (٣).

ونحن بحاجة إلى أن نرسم الطريق، كي نعرف السبيل التي نقاوم بها أهواءنا، ونقف في وجه الدواعي التي تدعونا إلى الشر ومخالفة الصراط المستقيم.

لا شكَّ أن تخليص النفس من الهوى ليس بالأمر السهل الميسور، فهو يحتاج إلى جهد وعناء طويل، وقبل ذلك كله يحتاج إلى توفيق الله وعنايته، من أجل ذلك تكرر في الكتاب التحذير من الهوى، فقد حذر الله منه الأنبياء والرسل السابقين، وحذر منه رسول هذه الأمة، كما حذرنا منه أيضًا، وحذر الله موسى عليه السلام من اتباع أهواء الذين لا يستقيمون على منهج الله: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أكَادُ أُخْفِيهَا


(١) سورة الفرقان: ٤٣.
(٢) الحديث في مسلم بغير هذا اللفظ، ونص موضع الشاهد منه: "قالت: (عائشة) يا رسول الله، أمعي شيطان؟ قال نعم: قلت: ومعك يا رسول الله؟ قال نعم، ولكنَّ الله أعانني عليه حتى أسلم".
انظر مشكاة المصابيح (٢/ ٢٢٣).
(٣) ميزان العمل ص ٤٢٠.

<<  <   >  >>