للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم أر من فصَّل القول في هذه المسألة وجلاها كالعز بن عبد السلام رحمه الله تعالى، فقد عقد فصلا في كتابه قواعد الأحكام في (تفاوت فضل الإسرار والإعلان بالطاعات) (١)، قال فيه: "إن قيل: هل الإخفاء أفضل من الإعلان لما فيه من اجتناب الرياء أم لا؟ فالجواب: أن الطاعات ثلاثة أضرب:

أحدها: ما يشرع مجهورا كالأذان والِإقامة والتكبير والجهر بالقراءة في الصلاة والخطب الشرعية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في إقامة الجمعة والجماعات والأعياد والجهاد وعيادة المرضى وتشييع الأموات، فهذا لا يمكن إخفاؤه، فإن خاف فاعله الرياء جاهد نفسه في دفعه إلى أن تحضره نية الإخلاص، فيأتي به مخلصا كما شرع، فيحصل على أجر ذلك الفعل، وعلى أجر المجاهد، لما فيه من المصلحة المتعدية.

الثاني: ما يكون إسراره خير من إعلانه كإسرار القراءة في الصلاة، وإسرار أذكارها، فهذا إسراره خير من إعلانه.

الثالث: ما يخفى تارة ويظهر أخرى كالصدقات، فإن خاف على نفسه الرياء أو عرف ذلك من عبادته كان الإخفاء أفضل من الإبداء، لقوله تعالى: {وَإنْ تخْفوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفقَرَاءَ فَهُوَ َخْير لَكمْ} (٢).

ومن أمن الرياء فله حالان:

أحدهما: ألا يكون ممن يقتدى به، فإخفاؤها أفضل إذ لا يأمن الرياء عند الإظهار.

والثاني: أن يكون ممن يقتدى به، فالإبداء أولى لما فيه من سدِّ خلة الفقراء مع مصلحة الاقتداء، فيكون قد نفع الفقراء بصدقته وبتسببه إلى تصدق الأغنياء


(١) قواعد الأحكام ١/ ١٥٢.
(٢) سورة البقرة / ٢٧١.

<<  <   >  >>